Site icon اهل البيت في ليبيا

الإخوان في ليبيا… تكرار العبث

إبتدع حسن البنا فكرة الإخوان عام 1928م التي تطورت إلى ما تصفه الجماعة الآن بأنه “قوانين ومناهج ومبادئ وأهداف” وهي منظومة تصورات واعتقادات وبرامج يتم ترويجها على أنها أساسية لتحقيق إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل لتتميز الجماعة عن غيرها من الجماعات الاسلامية الأخرى التي سبقتها أو أتت بعدها. يشير الإخوان في صفحاتهم الى ما قاله حسن البنا “… إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام”. تسعى الجماعة منذ نشئتها إلى أخونة الدول الإسلامية  بداية من الفرد والأسرة ثم الحكومة فالدولة لتحقيق ما يُسمّونه “أستاذية العالم” وذلك  بقيام الدولة الإسلامية  الكبرى أو الولايات الإسلامية المتحدة مرورا بدولة الخلافة الإسلامية.

يأتي على رأس الهرم التنظيمي للإخوان في كل بلد “مراقب عام” ويوجد مرشد عام واحد للإخوان على مستوى العالم والذي كان دائما مصريا بالرغم من أن نظام الحركة يسمح باختيار مرشد عام من أي بلد. يحتل المرشد “المرتبة الأولى” في الجماعة ليرأس أجهزة السلطة فيها وله وزنه الخاص وكلمته كلمة إرشاد وتوجيه ويخضع له جميع الاخوان المسلمين في العالم وهم في ذلك لا يختلفون كثيرا عن الجماعات الأخرى التي تأتمر بأمرائها.

يهتم الإخوان بالدعاية والإعلام ولهم كُتّابهم وشيوخهم وأبواقهم المتعددة ومواقعهم  لأنهم يعرفون أهمية ذلك للإستقطاب. وتعتبر قناة الجزيرة في الوقت الحالي هي إحدى وأهم قلاع الإخوان الإعلامية على المستوى العربي والإسلامي حيث توفر لهم ونيابة عنهم وباللغتين العربية والإنجليزية  منبرا عريضا على مدار الساعة ويشمل التغطية الإخبارية والبرامج والمقابلات الخاصة والكتابات التي ينفرد بها الإخوان وأنصارهم في صفحاتها الإلكترونية. تُبدي الجماعة إهتماما بالغا  بالشباب لأنهم وبحكم مرحلة النمو الذهني والعاطفي يُعتبرون مستضعفين ومن السهل  التأثير عليهم وإقناعهم كما تفعل الجماعات الإسلامية المتطرفة لتجنيد المتطرفين  حيث تتم عملية الجذب والإنصياع بطريقة غير متكافئة فكريا كما يحدث بين التلميذ والأستاذ أوالصبي والشيخ وهي أشبه بغسيل الدماغ فتكون عملية غرس الأفكار سهلة ومضمونة.

من عيوب وتناقض أساسيات فكرة الإخوان ومنهجهم،إستخدام الدين للوصول إلى السلطة بحجة الدعوة إلى الإسلام. الدعوة إلى الإسلام في دول إسلامية و بين مجتمعات ذات أصالة إسلامية تعتبر مزايدة لا تُحتمل ووصاية غير مقبولة  فهذه المجتمعات والدول ليست دول كفر وكفار ويُميّز الإخوان إسلامهم “بإسلام الإخوان” وأنفسهم بأنهم “إخوان مسلمون” وكأن بقية المسلمين في هذه الدول ليسوا كذلك أو من مرتبة أخرى. وأيضا تأسيس جماعة إسلامية قائمة بذاتها يعد تناقضا آخر حيث إقامة مزيد من الجماعات والفرق الإسلامية وسط مجتمعات إسلامية من شأنه تشتيت شمل الأمة كما هو الحال الآن. ثم أن الإسلام في أصله إسلام وكما أراده الله وارسل به رسوله بدون مسميات أخرى. المسلم ليس في حاجة إلى وسيط أو جماعة لترسم له خريطة الطريق أو تفتح له أبواب الجنة وكفا المسلمين شر الطوائف والجماعات والأحزاب والتي كان أبغضها ما أقيم بإسم الدين.

تبَنَّى الإخوان من ضمن أساليبهم غير المعلنة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وبنفس الكيفية والنجاح التي أظهرها كثير من الطغاة. هذه الميكافيلية تضم التلاعب بالمعاييروالمبادئ و تجميدها عند الحاجة لمهادنة الحكومات وعقد صفقات التحالف مع الحكام والجماعات الأخرى وتغليب مصلحة الجماعة على كل المصالح الأخرى بما فيها الوطن أو الدولة. يتّبع الإخوان منهج المحاباة لتزكية واختيار أعضاء الجماعة  دون غيرهم لتقلد المناصب ومن وراء الكواليس  أيضا مخالفين بذلك أبسط التعاليم والمبادئ الإسلامية والديموقراطية في إتاحة  تكافؤ الفرص وإختيار الأفضل والشخص المناسب للمكان المناسب و الهدف ضمان أخونة المؤسسات والأجهزة والإدارات للسيطرة على مفاصل الدولة. وفي هذا الصدد أيضا يعتبر الإخوان وكما يحدث الآن في ليبيا أن تبادل المنفعة لتحقيق المصالح المشتركة مع الكتل السياسية والإسلامية الأخرى مسألة حيوية للحفاظ على الوضع الحالي في ليبيا رغم اعتقادهم أن الجماعات الإسلامية والأحزاب الأخرى غير ملائمة للفوز بالكرسي لعدة إعتبارات.

يعلم الإخوان أن الجماعات المتطرفة والتكفيرية لا تمثل إرادة الغالبية العظمى من الشعب في ليبيا وبذلك  ليس لديها أي تأييد من عامة الناس. وهم يعتبرون أن الجماعات والأحزاب الوسطية والليبرالية الأخرى لا ترقى إلى أهدافهم السامية في تحقيق  الدولة الإسلامية. ويعتبر الإخوان الليبرالية بضاعة مستوردة من الاستعمار والغرب  ويدّعون أن هذا التيار لا يؤمن بالشريعة.

ولم يكن لحركة الإخوان  مجالا فسيحا في ليبيا لولا القذافي الذي كرر ما فعله  جمال عبد الناصر مع الحركة  والذي ساهم في خلق أرضية تم إستغلالها لتجنيد أتباع ليبيين  للحركة  في داخل ليبيا وخارجها وعلى مختلف القطاعات بعد أن كادت تفشل في استقطاب أية كوادر ليبية تُذكر إبان العهد الملكي والسنوات الأولى من إنقلاب سبتمبر. إستخدام المدرسين الإخوان العاملين في ليبيا والطلبة الليبيين الدارسين في مصر  لم ينجح كثيرا في إقناع الليبيين عامة بالحركة رغم إدعاء الإخوان بالتصدي للشيوعية والبعثية في ذلك الوقت. يُعزى هذا الفشل الذريع في ليبيا وباعتراف الإخوان أنفسهم إلى عدة أسباب أهمها دور الجامعة الإسلامية في مدينة البيضاء في التصدي لهم ولأفكارهم والتركيبة القبلية المتماسكة  للشعب الليبي التي كان من الصعب إختراقها وكذلك وجود الجيش الذي يرونه كباقي الحركات الإسلامية الأخرى أحد أسباب تهميشهم وعزلتهم  حيث وجود الجيش يقف حائلا أمام هدف الإخوان في إقامة الخلافة والدولة الإسلامية الكبرى. ولعل هذه الخلفية تضع الأمور في نصابها وتساعد على فهم المعادلة السياسية والمشهد الحالي في ليبيا. عداء الإخوان في ليبيا للقبيلة والجيش أمر واضح للعيان ومفروغ منه حتى وإن أنكروا ذلك. تحالف الإخوان حتى مع الشيطان كان صريحا عندما وفّرالإخوان في ليبيا مظلة للتيار الإسلامي والذي يضم الجماعات والمليشيات الإسلامية الأخرى والعكس صحيح في إطار تبادل المنفعة وليس بالضرورة مصلحة الوطن وهذا عين حال ليبيا الآن.

الخُلاصة أن الشعب الليبي عامة يتمتع بمناعة طبيعية ضد الإخوان منذ العهد الملكي وإلى الآن بفضل الوعي الثقافي والسياسي وانتمائه الطبيعي للدين الإسلامي الحنيف بدون مسميات زائدة وزائفة. لقد حرص غالبية الشعب الليبي تلقائيا على تهميش هذه الجماعة مرة أخرى ومنذ بداية ثورة 17 فبراير رغم محاولاتهم المستمرة لسرقتها حيث تمكنوا في البداية من الهيمنة على المجلس الإنتقالي ثم اخترقوا المؤتمر الوطني العام بنفس الأساليب التي ذكرتها وغيرها. ولازلنا نتابع وبكل مرارة ما يجري الآن في ليبيا ونرى كيف ساهم الإخوان في فشل عملية التحول الديموقراطي في ليبيا وكيف أصبحوا جزءا من المعضلة السياسية التي أدت إلى تردي الأوضاع فيها.


عبدالحميد محمد

كاتب ليبي

Exit mobile version