Site icon اهل البيت في ليبيا

الفراغ الديني في ليبيا وأخطار التطرف السلفي

أهل البيت في ليبيا

معلوم أن التعليم الديني كان من الأهداف التي حرص العهد المنهار على نسفها (نظام القدافي) ، فأدى ذلك إلى عدة نتائج خطيرة منها:-

1- إلغاء الجامعة الإسلامية،وتقليص كلياتها لتتحول إلى كلية تابعة لجامعة بنغازي،ثم ألغيت هذه الكلية وتوزع أساتذتها على عدد من أقسام اللغة العربية في بنغازي وطرابلس .

2- محاربة تدريس السنة النبوية طوال العهد السابق ومهاجمتها واضطهاد كل من يدافع عنها.

3- انعدام وجود خرجين متخصصين في العلوم الشرعية ليتولوا مهام الإفتاء والإمامة والخطابة والوعظ، الأمر الذي أوجد فراغا رهيبا ،فأضطر كثير من شبابنا إلى اللجوء إلى ثقافة الأشرطة والكتب والمطويات السعودية،واضطر بعضهم إلى الهروب إلى السعودية لتلقي علوم الدين من خلال الفهم الوهابي والسلفي المتطرف في كثير من المسائل والقضايا.

4- شيوع ظاهرة الجهل بين معظم مواطنينا بحقائق التوحيد وأحكام الشريعة وحدوث فتن حول رؤية الهلال ومواعيد الصيام والفطر والوقوف بعرفة .. الخ .

5- بروز بعض ظواهر الغلو والتطرف لدى بعض شبابنا، فهم يبدعون المخالفين لهم ، بل بعضهم يكفر كل السنة الآشاعرة ، كما يكفر الأمازيغ وينعتهم بالخوارج الواجب القضاء عليهم ، وقد وصل ببعضهم تكفير بعض أهل العلم البارزين لدينا  بتهم ثلاث وهي أنه أشعري ومالكي وأزهري،وبلغ الأمر بأحدهم أنه صارح أباه مواجهة بالكفر لكونه أشعريا،كما طالب شاب آخر أباه بأن يفارق زوجته التي هي أم الشاب نفسه؛ لأنه في نظره كافر هذا كله إضافة إلى تكفير الدولة وتحريم العمل في دواوينها والامتناع عن الدراسة في مؤسساتها التعليمية, ومقاطعة الأقرباء والجيران ومن ليسوا على الإعتقاد الذي استوردوه من السعودية واليمن .

6- ظل معظم شباب هذه الطائفة وفتياتها طوال مرحلة ثورة 17 فبراير ملتزمين جانب الحياد، فلم يكونوا مع الثوار ولو تعاطفا، كما لم يكونوا ضدهم،استنادا إلى اعتقادهم بأهلية ولي الأمر وضرورة طاعته مهما كان الأمر وكانوا ينظرون إلى حركة التحرير على أنها فتنة بكل المقاييس،وأن من الدين التزام السلبية حتى يقضي الله أمر كان مفعولا وبدافع هذا الفهم السلبي تطوع أفراد منهم فنشطوا يدافعون عن شرعية النظام القذافي بتقديم برامج مسموعة ومرئية وتولوا الخطابة الجمعية إلى أن تحررت طرابلس.

*والآن وقد تحررت البلاد،ورفعت كل ألوان الرقابة والقمع التي كانت تتصدى لشباب الصحوة الإسلامية بغض النظر عن اتجاهاتهم، انطلقت فئات السلفيين معتدلين ومتطرفين للعمل ليل نهار بكل الوسائل المتاحة،ويمكن رصد نشاطاتهم المتنوعة التي تستغل غياب مراقبة الحكومة الجديدة وتمارس استغلال الحرية استغلالا منحرفا،في الملاحظات الآتية:-

1- تكوين جمعيات دعوية وعلمية توحد جهودهم وتمكنهم من التخطيط والتشاور وتنفيذ برامجهم المقترحة.

2- إدخالهم موسوعات وكتبا وكتيبات ومطويات وربما أشرطة وأقراصا ممغنطة ذات اتجاه وهابي وسلفي عام؛ من بينها كتب ربيع المدخلي الداعية السلفي المعروف .

3- تنظيمهم محاضرات ودروساً منتظمة يتولاها عدد ممن درس في اليمن والسعودية كالمدعــو( أبو مصعب مجدي حفالة) الذي أقام في اليمن عشر سنوات،تتلمذ فيها على الشيخ مقبل الوادعي،وقيل إنه يشرف الآن على بعض المدارس في تاجوراء وسوق الجمعة وغيرها، تعلم الناشئة دينهم على فهم وهابي سلفي .

4- تنفير المواطنين من خلال خطب الجمعة من مفاهيم الديمقراطية ومبدأ الانتخاب بحجة أن هذا من فكر الكفار ومنهجهم ،وعندما سئل هذا الخطيب الذي أعلن ذلك على المنبر عن الوسيلة البديلة لذلك،قال: إن ولي الأمر إما أن يختاره الحاكم السابق وهو هنا الطاغية أو أن يترك الشعب يتقاتل ومن يغلب فهو ولي أمر الناس !!!!

 5- ما عليه قناة الأيمان المسموعة في طرابلس التي يبدو عليها سيادة الإتجاه السعودي الواضح وقد عرفت بتقديمها المتكرر لما يسمى بنونية القحطاني المعروفة بسبها للأشاعرة من أهل السنة، كما عرفت بندرة، إن لم يكن انعدام تقديمها لقراء القرآن الليبيين .

6- هناك حركة توجيه مقصودة،ويبدو والله أعلم أنها تنفذ مخططا مدروسا بين أطراف ليبية وأطراف سعودية،تتولى الآن اختيار أعداد من الطلاب الليبيين المتميزين الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 20 سنة،وإرسالهم لتلقي العلوم الشرعية في السعودية،بحجة أن ليبيا خلو من الشريعة وأصول الدين وعلوم الحديث،وبدعوى أن البلد الوحيد المؤهل الآن لتدريس هذه العلوم هي السعودية فقط .

*وبناء على هذه المعطيات المؤسفة والمنذرة بخطر داهم يجتاح بلادنا ويهددنا بإشعال فتن داخلية لم تعرفها بلادنا في سابق عهودها، صار لزاما على الأخوة المسؤولين في وزارات التعليم العام والجامعي والأوقاف والداخلية والأمن الوطني،أن يلتفتوا إلى هذه الظواهر المثيرة ويتعاملوا معها بجدية وحزم وذكاء ويمكن الإستعانة بالمقترحات الآتية :-

1- تخصيص لجنة تمثل وزارات التعليم والأوقاف والداخلية والأمن الوطني،تقوم بمتابعة هذه الظاهرة وجمع المعلومات الدقيقة عنها مع رصد تحركاتها واتصالات الخارجية.

2- العمل على منع إيفاد أبنائنا لدراسة العلوم الإسلامية في الخارج ، وتحديداً في السعودية واليمن، حيث لا ضامن لنا البتة من عدوى التطرف والغلو .

3- المسارعة بافتتاح جامعة للعلوم العربية والإسلامية بكل تخصصاتها الدقيقة في طرابلس مبدئيا الآن ثم يكون لها مستقبلاً فروع في كل من زليطن وبنغازي وسبها وغريان .

4- المسارعة باستقدام أعداداً من الأساتذة الممتازين من بلدان شقيقة كمصر والأردن والمغرب وتونس والسودان ولبنان ومروتانيا  وسوريا،وذلك طبقاً لشروط ومواصفات دقيقة،وعن طريق لجان تتصف بالأمانة والورع ومعرفة العلوم العربية والإسلامية .

5- مراقبة ما تقدمه هذه الفئات من الشباب من دروس وخطب ومحاضرات،وما وضعوه من كتب ومطويات سلفية متطرفة في المساجد وفي محال بيع الكتب والمجلات .

6-  إعادة النظر في قناة الإيمان وفي المسؤولين عن إدارتها وتطهيرها من المتطرفين ومن كل المواد المشبوهة التي تذاع فيها .

7-  التأكد من اتجاهات العاملين مع هيئة الأوقاف في مختلف إداراتها وفروعها واستبعاد من يثبت أو يشك في ميوله للتطرف والغلو .

*وبعد ، فأرجو من أخواتنا السادة الوزراء وغيرهم من المسؤولين في ليبيا الحرة اليوم أن يكونوا على يقين من الأمور الآتية:-

أولاً: إن ليبيا بلد مسلم لم يعرف في تاريخه ما يتهدده الآن من هذه الاتجاهات المنحرفة الوافدة،وإن عموم شبابنا ليس لديه الحصانة التي تضمن سلامته من تأثيرات هذه الاتجاهات الوافدة ، وإن كل تأخير في التعامل معها هو تمكين لها في الشيوع والرسوخ .

ثانياً : إن بلادنا على الرغم مما مر بها خلال الاثنين والأربعين سنة ما زال بها علماء جيدون ومشهود لهم في كل تخصصات العلوم العربية والإسلامية وخير دليل على هذا أن أساتذة كلية الدعوة في طرابلس كلهم ليبيون ومن أرفع المستويات في تخصصاتهم الدقيقة ، وقد خرج هؤلاء الأساتذة ألاف الطلاب من مختلف الجنسيات الإسلامية ومن أنحاء العالم،ومنحوا كثيراً منهم درجتي الماجستير والدكتوراه،وهم يحتلون مناصب مرموقة في بلدانهم .

ثالثاً : إن النظام السعودي تجاهل ثورة الشعب الليبي ضد الطاغية القدافي،وظل حتى الآن فيما أعلم لا يعترف بدولتنا الجديدة وأعتقد أن أي حكومة ليبية وطنية لن تقبل بأية حال أن تفرط في شبابها الصاعد وتسلمه للفكر السلفي المتطرف الذي عانت من ويلاته السعودية نفسها كما عانى منه المجتمع الإنساني في كثير من أرجاء العالم.


كاتب ليبي

Exit mobile version