Site icon اهل البيت في ليبيا

الحرب الأمريكية العالمية الثالثة:الإستيلاء على عقول البشر

أهل البيت في ليبيا 

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أغسطس 1945م وانتصار دول الحلفاء على المحور وهزيمة ألمانيا القاسية،كانت وكالة المخابرات الأمريكية تنظم وتدير جبهة ثقافية عريضة في معركة ضارية بدعوى حرية التعبير،وبتعريفها للحرب الباردة بأنها معركة من أجل “الاستيلاء على عقول البشر” تمهيداً لبدء العصر الأمريكي واللاثقافة الأمريكية.

سكت هدير المدافع وأزيز الطائرات ودوى القصف العسكري المسلح وبدأ قصف من نوع أخر (القصف الناعم) ولكنه أشد خطراً وفتكاً,أخرجت الترسانة الأمريكية أثقالها الثقافية:الصحف والمجلات والإذاعات والمؤتمرات ومعارض الفن التشكيلي والمهرجانات الفنية والمنح والجوائز…إلخ،وتم تشكيل شبكة من العملاء والأغبياء الذين يعملون بالتوازي مع جهاز المخابرات الأمريكي الـ “CIA” لتمحو من الأذهان الهوية الثقافية والحضارية للشعوب وترسيخ المفهوم والفهم الأمريكي في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والدينية. 

مؤسسات وهمية وتمويل سري ضخم وحملة إقناع هائلة في حرب دعاية ضارية تخطط لها وتديرها “منظمة الحرية الثقافية – Congress for Cultural Freedom”  التي كانت بمثابة وزارة غير رسمية للثقافة الأمريكية،أو لتكون” الزمار” الذي تدفع له الـ “CIA” ثمن ما تطلبه منه من “ألحان”.

كرست الولايات المتحدة الأمريكية موارد واسعة من أجل برنامج الدعاية الثقافية في أوروبا الغربية وكان أحد الملامح الأساسية لهذا البرنامج هو الحرص الشديد على أن يبدو كأن لا وجود له،أما الذي يديره فكانت ذراع التجسس السرية لأمريكا، أو وكالة المخابرات المركزية- Congress For Cultural Freedom،التي كان يديرها رجل المخابرات الأمريكية “مايكل جوسلسون” (يهودي من أستونيا ولد عام 1908) Michael Josselsom ” ” في الفترة من 1950 إلى 1967.

وفي قمة ازدهارها كان لـ “منظمة الحرية الثقافية” مكاتب في 35دولة (من بينها عدد من الدول العربية،خاصة لبنان والسعودية والأردن والمغرب وليبيا ومصر،حيث تم انشاء مكاتب فرعية لمؤسسات “روكفلر” و “كارنيجي” و “فرانكلين للطباعة والنشر” و “نادي القلم” و “مجلة المختار Readers Digest “… إلخ )،ويعمل بها عشرات الموظفين،وتصدر أكثر من 20 مجلة ذات نفوذ،وتنظم المعارض الفنية وتمتلك مؤسسات إعلامية،وتعقد مؤتمرات دولية تحضرها شخصيات بارزة،وتكافئ الفنانين والموسيقيين بالجوائز،وترعى معارضهم وحفلاتهم معتمدة على شبكة واسعة وشديدة التأثير من رجال المخابرات وخبراء الإستراتيجية السياسية والمؤسسات الرسمية والروابط الدراسية القديمة في الجامعات.

بالاعتماد على ذلك كله بدأت وكالة المخابرات المركزية منذ عام 1947 في بناء كونسورتيوم (اتحاد) Consortium له واجب مزدوج: تحصين العالم ضد وباء الشيوعية،وتمهيد الطريق أمام مصالح السياسة الخارجية الأمريكية في الخارج.

وكان من نتيجة ذلك، أن تكونت شبكة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي مع الوكالة للترويج لفكرة مؤداها أن العالم في حاجة إلى “سلام أمريكي pax Americana وإلى عصر تنوير جديد،وأن ذلك سوف يسمى بـ “القرن الأمريكي” وكان ذلك ” الكونسورتيوم” هو السلاح السري في الصراع الأمريكي أثناء الحرب الباردة،وهو سلاح له نتائج واسعة في ميدان الثقافة.

مؤسسة التجسس الأمريكية هذه ظلت تعمل دون أن يُكتَشفَ أمرها ودون منافسة على مدى ما يزيد من عشرين عاماً،وظلت تدير جبهة ثفافية معقدة،مدعومة على نحو كبير، جبهة في الغرب ومن أجل الغرب باسم حرية التعبير.

كانت عضوية ذلك “الكونسورتيوم” تضم مجموعة من الراديكاليين السابقين ومثقفي اليسار الذين تحطم إيمانهم بالماركسية.

أولئك اليساريون السابقون كان لابد من تجميعهم ودمجهم معاً في هذه المؤسسة نفسها مع وكالة المخابرات المركزية – CIA ،وهو أمر قد يبدو غير قابل للتصديق، كانت هناك مصلحة مشتركة حقيقية،وكان هناك اقتناع بين الوكالة وأولئك المثقفين الذين استؤجروا لكي يخوضوا الحرب الثقافية .. حتى وإن لم يعرفوا ذلك.

كان إنشاء الوكالة – CIA بمثابة تغيير شامل في النماذج التقليدية للسياسة الأمريكية ؛ فالشروط التي أنشأتها أدخلت إلى المؤسسة مفاهيم ” الكذب الضروري” و” الإنكار المقبول”، وجعلت منها استراتيجيات شرعية في وقت السلم، وأنتجت على المدى الطويل طبقة حكم خفية قادرة على الابتزاز وإساءة استخدام السلطة في الداخل والخارج دون أدنى شعور بالمسئولية.

وفي عام 1966 نشرت “نيويورك تايمز – New York Times” سلسلة من المقالات التي تكشف العمل السري الذي قام به أفراد تلك الجماعة المرتبطة بالمخابرات المركزية “CIA”.

هنا تضئ الباحثة البريطانية ” ف.س سوندرز ” جانباً مظلماً في تاريخ أمريكا الثقافي معتمدة على عدد كبير من المقابلات الشخصية،وفحص عدد أكبر من الوثائق الرسمية التي أفرج عنها مؤخراً.. وهنا تظهر أسماء عدد كبير من أبرز مفكري وفناني المرحلة : أشعيا برلين وكليمنت جرينبيرج وسيدنى هوك وآرثر كويستلر وإيرفنج كريستول وروبرت لويل وهنرى لوس وأندريه مالرو ومارى مكارثى ورينولد نيبور وجورج أورويل وجاكسون بولوك وبرتراند راسل هيمنجواي وأندريه مالرو وآرثر شليزنجر الابن وستيفن سيندر .. وغيرهم..

وبينما بعضهم تم استخدامه دون أن يدري،كان البعض الآخر على علم واستعداد للتعاون!…


مقدمة كتاب “الحرب الباردة الثقافية ” عن دور المخابرات الأمريكية في عالم الفنون والآداب لمؤلفته “فرانسيس ستونر سوندرز”.

Exit mobile version