قصيدة (بسمة الغيب) للشاعر زكريا الفاخري

قصيدة “بسمة الغيب”

خذِي مِن الـروحِ أعيادًا وألحانـا

وبعثريني على الأوراقِ أوزانـا

 

خذي من الليلِ نجمًا كي يطيرَ به

جوادُ شِعريَ نحو المصطفى الآنـا

 

جُودِي عليَّ – حروفَ الشعرِ– علَّ هوًى

سبى فؤادِي يعُـودُ إليَّ جَـذلانـا

 

جُودي من الحبِ إن الشعِرَ قافيةٌ

إذا انتشتْ؛ أنطقتْ في الروحِ: سُبحانا

 

*****

يا صفوةَ الخلقِ، خجلى أحرفي بفمي

فالشعـرُ يعجَـزُ أن يُوفيـكَ ميزانـا

 

نسجتُ رمشيَ أوتـارًا لتعزفـَكم

فـمُ القصائدِ أشواقا وتـَحنانـا

 

أيمدحُ المدحُ ! ما الأقلامُ قائلةٌ !؟

وأنتَ للمدحِ قد عُنوِنتَ عُنوانـا

 

يا خالة َ الحُسْنِ في خدِ الوجودِ، ويـا

أناملَ الفجرِ تلهو في مُحيَّانـا

 

يا زمزمَ النورِ في الدنيا ومنبعَهُ

إليكَ حجَّ جمالُ الكونِ مزدانا

 

ويا شتاءً مِن الـ” تسْنيْمِ ” مُنسَكِبًا

كدهشةِ الغيثِ تسقيثغرَ دنيانا

 

وبسمة ًمن شِفاهِ الفجرِ ساطعة ً

ونظرة ً من عيونِ الوردِ تهوانا

 

وموكبـًا من سَرايا العشقِ مُحتشِدًا

يمشي على ضفةِ الإحساسِ نشوانا

 

و يـا تلهُّـفَ طفلٍ عـادَ والِـدُهُ

بعدَ التفرُّقِ .. أزمانـا وأزمـانـا

 

هَذا يتيمُ قريشٍ .. هَـزَّ مولِدُهُ

قصورَ كسرى وأجنادًا وإيـوانا

 

هديـةُ الغيبِ للدنيا، وأغنيـةٌ

كنشوةِ الشوقِ تسري في خلايانـا

 

طفلُ الحقيقةِ -يا بشراكِ آمنةٌ –

الآنَ يُزهِرُ في الأحشاءِ ريحانا

 

طفلُ الحقيقةِ صاغَ الغيبُ جوهرَهِ

منْ لؤلؤِ الجنةِ العَلياءِ قد كانا

 

تغفو على شُرْفـَةِ البشرى ملامِحُهُ

وجهاً صبوحاً حوى دُرَّاً ومرجانـا

 

من نفحةِ الخُلدِ جاءَ الكونَ يُوقِظهُ

بعد التقهقرِ في الظلماء عُميانـا

 

فكم بكتْ – قبلَهُ -عينُ الزمانِ أسى

ثكلى وتحملُ في الأعماق أحزانا

 

في سَكرةِ التيْهِ كم موءُوْدةٍ دفنتْ

دون الأمومةِ كان القبرُ أحضـانـا

 

باعوا العقولَ إلى ” لاتٍ” إلى “هُبَلٍ “

كانوا أسارى وكانَ الشركُ سجَّانـا

 

هوامشٌ تحتَ سطرِ الدهرِ قد نـُبِذوا

كلُّ الخلائقِ لم ترفعْ لهم شانـا

 

حتى نزلتَ -رسولَاللهِ – دوحَتهم

لتبْذرَ الفُـلَّ  ..  أصنافا وألوانـا

 

أوقدتَ في عَـجْـنةِ الصلصالِ شمعتهُ

حتى غدا – بعد نور الله – إنسانا

 

أتيتَ -يا أعذبَ الأنهار-أجـوبةً

لمْ تُبقِ في قصةِ المجهولِ حيرانـًا

 

******

يأويْ إلى (الغارِ) حبُ اللهِ يؤنسُهُ

من ظلمةِالغارِ شعَّ الكونَ إيمانـا

 

ويرسلُ العقلَ في الآفاقِ أشرعة ً

سفائنُ الفِكْرِ أحيت فيهِ شُطآنا

 

جبريلُ نادى: حباكَ اللهُ مُعجزةً

(إقرأْ و رتِّلْ ) فقد أوتيْتَ فرقانا

 

فاحدودبَ اللُغزُ في أعماقـِهِ فزِعًا

من ذا يريدُ من الأمِّيِّ تبيانا !؟

 

عَيْنا خديجة بثـَّتْ قلبَهُ أمَلاً

نافورةُ الحبِّ تسقي الروحَ سلوانا

 

أتتْتضمدُ جُرحَ الأرضِ – بعْثـتـُهُ –

برحمةٍ من رفوفِ الغيبِ تغشانا

 

تفيضُ -عَذبًا زلالاً من أصابعهِ –

أنهارُ طهرٍ سَقتْ صحبًا وخـُلانا

 

وحـَنَّ جذعٌ لأقدامٍ له وقفتْ

تشكو إليهِ -من الأشواقِ – هجرانا

 

أسرى بهِ الله للأقصى على قبَسٍ

يطوى الفيـافِيَ وَاحاتٍ وكُـثبانا

 

فوقَ النجومِ إلى السَّبْعِ العُلا ارتفعتْ

به البراقُ،وأحيا الليلَ أذانـا

 

صلّى -ومِن خلفهِ الأطهارُ قد سَجَدُوا-

ورتلَ الوحيَ تحتَ العرشِ قرآنـا

 

صلوا جميعا صلاةَ الحبِّ ما افترقوا

فالدينُ ينسجُ بينَ الخلقِ أوطانـا

 

بكتْهُ ” مكةُ ” من آثارِ هجرتهِ

على الخدودِ يفيضُ الماءُ وُديـانا

 

لولا (تبوُّءُإبراهيمَ) في أزَلٍ

لهاجرَ البيتُ أحـجارًا و أركـانا

 

وقالَ:مكةُ لولا أنهم مَكروا

ما اخترتُ غيركِ دونَ الخلق جيرانا

 

يمضي إلى “مأرزِ الإيمانِ” محتسبًا

إذْ هـيَّأَ اللهُ أنصارًا وأعوانـا

 

و صفَّفتْ يثربٌ يومَ اللقا -طربا –

ضفائرَ الحسنِ منها؛ كلما دَانى

 

أمستْ منورةً، بالشوقِ مُنشِدة:

” بدرٌ تمامٌ.. ببابِ الحيّ ناجـانا “

 

أقامَ -بالدينوالإيمانِ-مملكة ً

مشاتلُ العدل ِ قد أثمرنَ سلطانا

 

هناك مكةُ شعّتْ في خوافقه

ذكرى تثيرُ من الآهاتِ بركانا

 

حتى أتاها صباحَ الفتحِ منتصرًا

فاصدحْ بـِلالاً فإنَّ الفجرَ قد حَانـَا

 

قل جاءَكِ الحقُ يا أصنامُ فانهدمي

ويا قريشٌ .. نرىَ آثارَ قتلانـا

 

ماذا تظنونَ أنِّي فاعِلٌ بكُمُو

هلّا أجبتم وقدْ كانَ الذي كانا !؟

 

قالوا: كريمٌ، سحابُ الصفحِ في يدهِ

هلا مننْتَ -رسولَ اللهِ -إحسانا

 

شقيقُ يوسفَ نادى القومَ منطقـُهُ:

لكُم مَنحتُ – مِدادَ البحرِ – غفرانـا

 

قد بلّغَ الدينَ للدنيا وأكملَهُ

وأينعَ الوحيُ أثمارًا وأغصانا

 

وتمَّتِ النعمـةُ الكبرى؛ فخيَّـرَهُ

ربُ العـباد: أما قد آنَ لـقيانا ؟!

 

فاختارَ لقياهُ -دونَ الناسِ – في شغفٍ:

” إلى الرفيقِ إلى الفردوسِ مَسْعَانا”

 

تركتَ أمتنا كالنجمِ شامخة ً

تمشي على قامَةِ الدنيا سرايانا

 

واليومَ بعدكَ أسْيَافٌ لنا كُسِرَتْ؛

تشكو إلى الله بغدادًا وأقصانا

 

مات النخيلُ بجورِ الماءِ -لا سَعَفٌ

يُهدِي الظِلالَ -وأضحى التمرُ صُوَّانا

******

خضَّبتُ حَرفيَ مِنْ حِـنـَّاءِ سيرتهِ

فاعشوشَبَ البوحُ في كَفَّيَّ ولهانا

 

وصغتُ ضلعيَ قيثارًالأغنيتي

لأسكبَ الشِعْرَ ناياتٍ وألحانا

 

فالشعرُ عندي عصا بوحٍ أهشُ به

ليلَ الحنينِ إذا اشتاقتْ حنايانا.

*********************************************

زكريا يونس محمد الشريف الفاخري، هو شاعر وكاتب وإعلامي ليبي، شارك في عدة ملتقيات أدبية وشعرية محلية وعربية وللفاخري ديوانان شعريان مطبوعان يحملان عنوان (أشواقُ التوليب) و(اعتكاف الشعر)، وله أيضا رواية مطبوعة بعنوان (لأجلك يا جنهم)، تم تكريمه في جائزة الألوكة، هذا بالإضافة إلى مجموعات شعرية ونثرية لم تطبع بعد.

اهتم الفاخري بالعمل الإعلامي وعمل مذيعاً للبرامج الأدبية في عدة قنوات فضائية، قدم من خلالها قرابة 6 برامج مرئية ثقافية وأدبية، كما أن له مشاركات ورقية من خلال زوايا الصحف الليبية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى