حفتر والسلفية…اللعبة الخطرة

اتسم خطاب اللواء خليفة حفتر وسلوكه بالتناقض، ففي الوقت الذي يعلن فيها تصنيف كافة خصومه على أنهم “إرهابيين تكفيريين وخوارج” واتهام مصراته باستخدام الإسلام السياسي، والاستعانة بجماعات تكفيرية، وأنها تحتضن الإخوان وتنظيم داعش وتدعم حركة أنصار الشريعة (والتي أعلنت عن حل نفسها الأسبوع الماضي)، نجده في المقابل لديه علاقات قوية بتنظيمات سلفية مندرجة ضمن القوات التي تحارب تحت أمرته في برقة في شرق ليبيا. وهذه لعبة خطيرة لأنه وعلى الرغم من أن السلفيين الذين يتعاون معهم حفتر -السلفية المدخلية على وجه الخصوص، والتي تسمى كذلك نسبة إلي الشيخ السعودي ربيع المدخلي- من المفترض أنه لا يشاركون في السياسة، فإنهم نشطين على المستويين السياسي والعسكري في ليبيا منذ ثورة 17 فبراير.

يستخدم حفتر الجماعات السلفية لمواجهة الجماعات التكفيرية مثل حركة أنصار الشريعة، بالإضافة إلى مواجهة خصومه السياسيين خاصة جماعة الإخوان المسلمين، ومواجهة خطاب السلفية العلمية التي يتبناها مفتي طرابلس الصادق الغرياني، والمجموعات السلفية في الغرب الليبي متمثلة في قوات الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كارة في طرابلس، والتي ترفض حفتر.

بدايةً، يرجع وجود السلفية المدخلية في ليبيا إلى العقد الأخير من حكم القذافي، الذي سمح لهم بالتواجد في ليبيا لأنهم يحرمون الانتخابات والديمقراطية، ويدعون إلى الطاعة المطلقة للحكم، بعد ثورة 17 فبراير رفضت السلفية المدخلية الانتخابات، لكن -بصورة براجماتية- شارك أعضائها فيها في نهاية المطاف، وقد برز دورهم بعد إعلان حفتر انطلاق عملية الكرامة، وقام الشيخ ربيع المدخلي بالإفتاء بضرورة انضمام السلفيين لحفتر لأنه ولي الأمر الشرعي والقتال معه ضد الإخوان، وفي هذا السياق قام حفتر بحل الكتائب السلفية المدخلية المعروفة باسم كتائب التوحيد ودمجها وتوزيعها علي كتائب الجيش المختلفة، مما سمح لها بتحقيق انتشار أكثر، حيث سيطروا علي مواقع عسكرية في بنغازي وأجدابيا والجبل الأخضر، وعلي فرق عسكرية مهمة مثل الكتيبة 210 مشاة والكتيبة 302 صاعقة.

لم يتوقف نفوذ السلفية المدخلية في معسكر حفتر عند هذا الحد، في الآونة الأخيرة وقعت العديد من الحوادث في بنغازي وشرق ليبيا كانت لعناصر هذا التيار دور فيها؛ ففي 28 مارس السابق قامت قوات الأمن الداخلي في مدينة بنغازي، المسيطر عليه من جانب السلفية المدخلية، بإيعاز من كتيبة التوحيد السلفية المعروفة باسم الكتيبة 210 مشاة -وهي ضمن قوات اللواء حفتر- باعتقال 3 من الشباب نظموا احتفالية يوم الأرض في المدينة، حيث اعتبرها عبد الفتاح بن غلبون – أحد قيادات كتيبة التوحيد- أحد أشكال البدع الماسونية غير الإسلامية، ووصفها بالفجور والعصيان وأنها لم تراعِ دماء الشهداء؛ في نفس السياق قام بن غلبون بالثناء علي اللواء حفتر ورفضه لذلك الفسوق، وأضاف إن أكبر خطر يواجه ليبيا هو الإخوان و داعش. وبناء عليه، قررت مديرية أمن بنغازي تحويل المنظمين إلى النيابة العسكرية، لكن تم التراجع عن القرار والإفراج عن المعتقلين، بعد انتشار الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط حالة من الاستهجان والاستياء من حادث الاعتقال.

أصدر أيضا الحاكم العسكري في شرق ليبيا، عبد الرزاق الناظوري، في فبراير/شباط 2017 قراراً بحظر سفر السيدات بدون محرم (زوج، أخ، أب)، وتم التراجع عن القرار أيضاً بسبب حملات الرفض والاستهجان على وسائل التواصل الاجتماعي. وتم الربط بين قرار حفتر وزيارة الداعية السعودي أسامة العتيبي إلى شرق ليبيا، حيث تزامن صدور القرار مع زيارة الداعية. بالإضافة إلى ذلك قام المنتسبين إلى السلفية المدخلية بالعديد من الانتهاكات للسيطرة على الفضاء الديني، مثل هدم أضرحة الصوفيين والتضييق علي الأنشطة الصوفية في شرق ليبيا معقل الصوفية التاريخي في برقة، وسط حالة من غض الطرف من جانب البرلمان الليبي وحفتر.

تحالف حفتر مع السلفيين لا يقتصر على وجودهم العسكري، لكن أيضاً يشمل السيطرة على الخطاب الديني الرسمي، من خلال سيطرة التيار السلفي المدخلي علي الخطاب الديني الرسمي في الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية التابعة لحكومة برلمان طبرق، حيث يسيطر السلفيين حالياً علي الخطاب الرسمي من خلال الإفتاء والسيطرة الفعلية على المساجد في الشرق منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2014.

علاقة حفتر بالسلفية المدخلية هي علاقة يفوز فيها كل الأطراف، حيث تهدف السلفية المدخلية من خلال تحالفهم مع حفتر إلى تحقيق مزيد من السيطرة على المجال العام في ليبيا؛ نجحت السلفية المدخلية في زيادة أعداد المنتسبين إليها من خلال السيطرة علي الخطاب الديني، واجتذاب الكثير من الشباب العاطل للانضمام للكتائب السلفية التي توفر مرتبات جيدة للعاملين فيها نتيجة الدعم الخارجي لها، وحصولهم على امتيازات العسكريين. فالمناخ مناسب لها لاجتذاب المزيد من المنتسبين لها نتيجة السيطرة علي الخطاب الديني الرسمي، وكذلك القدرة العسكرية الكبيرة نسبياً على الأرض.

في المقابل يهدف حفتر للسيطرة على المجال العام من خلال السلفيين، واستخدمهم في قتال منافسيه – السلفية الجهادية؛ يحتاج حفتر إلى السلفيين لأنه يعاني من نقص عددي كبير في أعداد القوات التي تحارب تحت أمرته، ويريد زيادته من أجل استمرار حروبه.

إن استخدام الجماعات السلفية في الصراع السياسي والعسكري هو سلاح ذو حدين يحمل الكثير من المخاطر، المجتمع الليبي يسيطر عليه الخط الديني المالكي الصوفي، وسوف يشهد اضطرابات أكثر مع تغلغل السلفية بنسختها الوهابية. بالإضافة إلى احتمالية حدوث اختراق أكبر من جانب السلفية الجهادية – خاصة تنظيمي داعش والقاعدة- لهذه المجموعات السلفية، حدوث هذا الأمر سهل في بلد ممزق، ومجتمع مسلح لا يوجد به حضور حقيقي للدولة. إن مثل هذا التوظيف قد يؤدي لظهور جماعات مسلحة أكثر تطرفاً، وهذا أمر قد حدث مرراً، عندما نجحت جماعات سلفية جهادية في اختراق المنظومات السلفية واستغلالها لصالحها، مثل ما حدث في بدايات الثورة الليبية بعد محاولات سيطرة المجلس الانتقالي، ومن بعده المؤتمر الوطني على تنظيمات سلفية جهادية، مثل أنصار الشريعة ودمجها في قوات درع ليبيا ونزع سلاحها، لكن تلك المحاولات فشلت وانتهت بالحرب التي شهدتها بنغازي في أخر ثلاث سنوات.

علاقة خليفة حفتر الملتبسة مع المجموعات السلفية قد يساعده تكتيكياً على الأرض على المدى القريب، لكن يضر به على المدى المتوسط والبعيد، مثل تلك العلاقة قد تزيد من قلق حلفاء حفتر في الداخل الليبي، مثل القبائل في شرق ليبيا، التي تخشى التطرف، وأي تحدي لسلطة واستقلال القبيلة الذي زاد مع تراجع دور الدولة. وعلى مستوى تحالفات حفتر الخارجية، قد تضر علاقته بالسلفيين علاقته بأهم داعمين له، مصر والإمارات، وكذلك علاقته بالدول الغربية. تلك الدول تخشى أن يتحول شرق ليبيا إلى ساحة للجماعات السلفية الجهادية، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار ليبيا والمنطقة، خاصة دول الجوار مثل مصر التي تخشى على أمن حدودها الغربية الطويلة والهشة مع ليبيا، والتي أصبحت مصدر تهديد للأمن القومي المصري.

إن الدعم المطلق لحفتر في ظل علاقته الملتبسة مع الجماعات السلفية قد تكون له نتائج عكسية أشد خطورة خاصة على كل من مصر والأمارات ودول الجوار إذا فشل في السيطرة على السلفيين التابعين له، إذا ما تم اختراقها من جانب تنظيم داعش أو غيرها من المجموعات الجهادية، أو دخولها في خلاف مع حفتر، خاصة أن علاقة حفتر بالسلفيين قائمة على علاقته الشخصية بهم، أي أنها ليست علاقة مؤسسية، فإذا ما اختفى حفتر من المشهد قد تسود الفوضى في الشرق الليبي مرة أخرى، بسبب تلك الجماعات التي قد تتحول إلى تهديد مستقبلي يهدد أمن المنطقة.


بقلم:أحمد صلاح علي

06-05-2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى