ملحمة الإمام الحسين الليبية

ملحمة الحسين الليبية

الإمام الحسين عليه السلام في الموروثات الشعبية الافريقية

 بحث قدمه الدكتور محمد سعيد الطريحي

ضمن فعاليات مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي الخامس

الذي اقيم في مدينة كربلاء المقدسة للفترة من 3-7 شعبان 1430 للهجرة

 بسم الله الرحمن الرحيم

انتشرت محبة آل البيت عليهم السلام في شمال إفريقيا منذ القرون الهجرية الأولى، وترسخت جذور الولاء والولاية للبيت المحمدي العلوي في العهد الفاطمي الزاهر، وبقي الحب والولاء مستمرا حتى بعد اضمحلال الفاطميين وفقدانهم السيطرة السياسية في تلك الأنحاء، وما يزال الغالب على أبناء القبائل الإفريقية العربية أو الأمازيغية أو ذوات الأعراق الإفريقية الأصيلة تدين بالحب المفرط لأل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسمائه وتتداول آثاره ومآثره في مسيرتها الدينية وتقاليدها الاجتماعية كما يظهر ذلك جليا ظاهرا في التراث الشعبي الإفريقي بشكل عام[1].

إن أفضل تلخيص للحالة والظاهرة هذه هو ما أعلنه الرئيس الليبي في خطابه الذي ألقاه في ملتقى قبائل الصحراء الكبرى في أغاديس بدولة النيجر بتاريخ 31 ربيع 1975 من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم 2007م في تصريح لم يسبق ان صرح به زعيم عربي او افريقي من قبل من قبيل تاكيده على الهوية الشيعية لعموم افريقيه بفعل التثقيف الفاطمي  الذي ساد في شمال افريقيا انذاك حيث ان العادات والتقاليد كلها شيعية الى اليوم، كما ذهب اليه الرئيس الليبي قال ومنها الاحتفال بيوم عاشوراء والحزن يوم عاشوراء، والقصص والتشيع لسيدنا علي، والأسماء علي وفاطمة وخديجة والحسين والحسين، وما إليه ولا تعرف فمن مصر إلى غاية المحيط الأطلسي غير موجود حتى واحد اسمه معاوية وإذا كانت الموجة هذه الأيام هي موجة الدين والإمامة، فمن هو أحق من أهل البيت؟ أهل البيت هم أولى من كل الحكام الذين موجودون الآن، العرب شيعة، لسنا فرس، الدولة الفاطمية الشيعية قامت في شمال افريقيا وليس في إيران ونحن نريد أن نبعثها من جديد وإذا كان الشيعة هو التعاطف مع علي، فكل العرب شيعة.. اعملوا استفتاء في كل العالم الإسلامي والعربي، قولوا لهم أنتم مع معاوية أم علي؟ يقولون لك: مع علي، قولوا لهم: أنتم مع فاطمة الزهراء أو مع أي واحدة أخرى زوجة معاوية أو زوجة يزيد أو غيره؟ يقول لك لا.. أنا مع فاطمة الزهراء معناه تشيع لأل البيت.. تشيغ لفاطمة وتشيع لعلي كل العرب.. كل المسلمين.. متشيعون لعلي.. هذه حقيقة.. هذه ثقافتنا[2]..

شيعة العراق يدعمون الجهاد الليبي:

عندما أعلنت إيطاليا الحرف على العثمانيين في 29 ايلول /سبتمر 1911 (18 شوال 1329هـ) بهدف احتلال طرابلس العرب وبنغازي بادر شيعة العراق وعلى رأسهم مراجع الدين إلى ابداء موقفهم المناهض للاستعمار الإيطالي الذي كان يستهدف خيرات ليبيا وثرواتها وإذلال شعبها الصابر الأبي، وعند ذلك صدرت فتاوى مراجع الشيعة بوجوب الجهاد والنضال ضد الإيطاليين الغزاة، وشكلوا في جنوب العراق هيئات أهلية لدعم الجهاد الليبي وتنادى علماء الدين والخطباء لشرح مأساة الشعب الليبي للجماهير العراقية، وقد أبدى الجميع استعدادهم للجهاد في ليبيا كما جمعوا الأموال الطائلة وبعثوها للمجاهدين الليبيين في طرابلس الغرب حتى أن الشيخ مبدر آل فرعون وهو رئيس قبيلة آل فتلة المعروفة في جنوب العراق والفرات الأوسط، قد تبرع بمبلغ خمسمائة ليرة من الذهب وأعرب عن عزمه للذهاب إلى ليبيا والدفاع عنها بالرغم من أنه كان معتقلا من قبل السلطات العثمانية آنذاك، وبلغت تلك الحادثة السلطان العثماني فأمر بإطلاق سراحه تثمينا لموقفه.

وفي مدينة كربلاء المقدسة عقد أهالي كربلاء اجتماعا عند ضريح الإمام الحسين عليه السلام دعما ومناصرة للقضية الليبية وتليت فيه وذلك في الثاني عشر من تشرين الثاني /نوفمبر سنة 1911م فتاوى علماء الدين في دعم الجهاد الليبي وأفاض الخطباء في ضرورة ذلك، وشرحوا ظلامة الشعب الليبي وما كان يقاسيه من المستمر الإيطالي فهاج الناس وماجوا وخرجوا في تظاهرات كبرى تأييدا لليبيا وشعبها المكافح.

وفي النجف الأشرف أقيم احتفال كبير عند مرقد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام دعت إليه الهيئة العليمة للمراجع والعلماء وتقرر فيه إرسال السيد مسلم زوين والحاج عزيز بيك إلى ليبيا وإرسال معومات الشعب العراقي إلى المجاهدين والاطلاع عن كثب حول ما آلت إليه الأمور هناك.

وفي النجف الأشرف بالإضافة إلى فتاوى العلماء في دعم مجاهدي ليبيا فقد صدرت فتاوى أخرى وكتب تنويه بوجوب الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب الليبي وعدم تدنيسها من الغزاة الأجانب، وفي هذا الشأن صدرت رسالة لأحد المجتهدين من الشيعة، من أهل المنطقة الشرقية التابعة للحجاز اليوم، صدرت بعنوان (دعوة الموحدين لحماية الدين) وقد طبعت في النجف الأشرف سنة 1911 ومؤلفها العلامة الشيخ حسن علي آل بدر القطيفي، وكان مقيما في النجف الأشرف آنذاك.

إن تفاصيل تلك الحوادق قد أجملناها في بحثنا المنشور في مجلة الموسم العدد السادس سنة 1990 (ص 377 إلى ص 423) بعنوان (المرجعية الشيعية وقضايا العالم الإسلامي -الغزو الإيطالي لليبيا وحرب طرابلس 1911) وما تضمنه هذا الملف الوثائقي نصوص فتاوى المرجعية في دعم الجهاد الليلي، ورسالة دعوة الموحدين إلى حماية الدين بالإضافة إلى المساهمات الشعرية التي شارك بها شعراء الشيعة وألهب مشاعر الجماهير الثائرة المتعاطفة مع القضية الوطنية الإسلامية الليبية ومن القصائد المنشورة في الملف مساهمات الشعراء: (الشيخ عبد المحسن الكاظمي، السيد عبد المطلب الحلي، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الشيخ محمد رضا الشبيبي، الشيخ باقر الشبيبي، الشيخ علي الشرقي، الشيخ محمد حسن أبو المحاسن، الشيخ عبد العزيز الجواهري).

ومن بين أهم الآثار الدالة على ذلك التعلق الكبير للأفارقة بآل البيت ورموزهم المقدسة، لاسيما الإمام الحسين السبط عليه السلام وهو هجرة أحد أعيان ليبيا في القرن التاسع عشر إلى العراق لزيارة ضريح الإمام سيد الشهداء وهذا الرجل هو عنصيل[3] البرعصي وينتسب إلى أحد القبائل البدوية الشهيرية في ليبيا وهي قبيلة (البراعصة) وفيهم من يقيم بمصر في منطقة الفيوم والدقهلية والشرقية غيرها، وينتسبون إلى محمد برصاص بن فخر الدين بن يحيى بن نايل بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن عيسى بن عبد الوهاب بن محمد بن ابراهيم بن يوسف بن عبد الوهاب بن محمد بن شجاع الدين المغربي الوزاني اب عبد السلام بن مشيش.

وينتسب عنصيل إلى بيت خضرة من البراعصة وأهله من البدو الرحل ولا نعرف المزيد عن هجرته لزيارة العراق لكنه كما يدل عليه كلامه وموقفه في القصيدة التي نظمها في كربلاء[4] أنه وقف أمام ضريح الإمام الحسين مواسيا ومتذكرا تلك المأساة الرهيبة التي حاقت بآل البيت وأدت إلى استشهاد الحسين وكان لها صداه في القبائل العربية الليبية وتمنى على لسانه ولسان تلك القبائل أنه وسواه من القبائل سينجدون الحسين ويردون عنه مظلوميته إذا ما أعيدت الكرة يوم الطف.

فاسمعه يقول:

تمنيتني في الفين فوق أحصنه   نهار كربلاء وانجيه قبل يجنه
تمنيتني في أول سبيب يطرب   حرابى عصارى م الحجاج[5] مغرب
ويجن في قدومهن خيل عيت مقرب   على كل تيغى[6] ما الصراع يعنه
صحيح هل شجاعه سال كل مجرب   ما يحسبوا يوم الدنه
ويهدوا روعه   على كل تيغي في القفز ما يوعى
قضيب قصته والبندقة وصروعه   يجن سوا وين قحز الفارس منه
رصاصه يخلف في الصدور هلوعه[7]   مراعيب خيل عداه ما يرجنه

وتنسب إلى عنصيل أيضا هذه الأبيات:

فوق جوايد   فراسين كسر صاحبات هوايد
أرماح وجوازى يفزعن وفوايد[8]   ونالوني اللى نقول هايا عنه
  **  
في أول صدور سرايا    يجن فازعات وفي الشرد[9] رغايا
يردن على الصادي[10] ورود عرايا   إن زغرت اللي صابغ يديه أبحنه
يحوزوا كبار القوم في الحمرايا   ويبقوا جلب وتصير فيهم دنة
في أول سبيب سعادى   على كل متزمت عريض فنادى[11]
ينجن ولد بنت الرسول الهادي   يخشن عليه النار ويفكنه

أما الشاعر أبو عوينه فقد قال:

باليقين[12] صم حوافر    من كل عاتي في ثباته وافر
يردن بثاره من جيوش الكافر   وكمين طامع جا يريد الخونة
ركاب هل صوله وهل غيريه   وهل مقدمه للضيف دين وسنة
تمنيتني في أول جيوش يهدن    يجن كاسيات الوطن ما ينعدن
في مطيعات الصراع ما يرتدن   نين يبرمن في القدس ويفكنه
إلا كربلاء سيبه أيامه عدن   واللى فات لا تطريه خلك منه

وقال الشاعر الشيخ حسين الحلافي:

بجيش نظامي
  يخشى ع الطوابى والرصاص الحامي
اللي هذا حادر ع البلاد مقامي   أن ما احتل تل أبيب ما يتهنى
يخلي طوابير اليهود مرامي   اللي ما أيهيج يطيح ويدولنه
في أول جيوش يسوقن   يجلن دراه الكبد كيف يتوقن
تمنيتني في ألفين فوق أحصنه    يوم كربلاء ونجيه قبل يجنه

هذا قول الشاعر البرعصي:

وسمعها العبيدي فقالوا له: قل: قال: سأقتل..

فقالوا له: قل لا تقتل..

فقال: هو الشاعر الشيخ المبري بو ياسين المريمي العبيدي

قال: اكتب يا كاتب:

تمنيتني بألفين فوق جوايد[13] أصحاب العوايد

عبيدات بوشلاك[14] فيهن قائد.

ما من اللي بحرابهن دالنه =جلن أولاد على مع الفوايد[15]

وجميع من هاج في الجبل أفدرته[16].

 

وسمعها شاعر درنه (مبارك القطعاني الرخامي) فقال:

تمنيتني في ألفين درناوية[17]   اللي مو على عاتي على أمعشية[18]
جيابة الثنى من قبل م الصفية[19]   دعاهن حبيب وفي جرايد[20] جنة
مشن دموعه كي شكي م السيه   سلك دين ثاره والجبل فكنه
موادير[21] وأكابر وبمباشيه[22]   يجيبهن حديد الروح ويحلنه
لابسين جوخ الملف وأفنديه    تفوح روايحهم سماح البنة
وياهن قعود معاه في كرسيه   حتى لو كساهن جيش ما حسنه
تمنيتني في ألفين فوق أحصنه   نهار كربلاء وانجيه قبل يجنه

وسمعها شاعر مصراته[23] فقال:

تمنيتني في ألفين من مصراته[24]   فزعن يجي ع الحال في طلباته
زغيبات وذكيران[25] هل حضراته    وإن جت الحاشية[26] قضيت جميع العنة
أصحاب العناع اللي قصير عصاته   يجيبن وهو مضيوم ويفكنه
وركابه ع اللي يعجبن صهلاته   أن ميز[27] نعال ودير ما علقنه 
وهل فارسا هو قرعة الزغراته   وإن جاهن كلام العيب ما حملنه
تمنيتني في ألفين فوق أحصنة    نهار كربلا وأنجيه قبل يجنه

وقال أبو سير البصبصي القذافي:

تمنيتني في الفين فوق أحصنه   يوم كربلا قبل أيجنه
تمنيني في الفين وكل زين   راكب تحت منه زينه

أوين حام شراد الرصاص زينه

وحام الأجل بقصار الأعماروجنّه

ذخر كل قذافي خلص في دينه

وصاحب السواية بسيته كافلنه[28]

ملحمة شعرية أم تجريدة حربية:

سمينا قصيدة عنصيل البرعصي وقصائد من جاره في كربلائية بالملحمة الشعرية لملائتها لواقع الحال بوصفها لحرب الأمويين لآل البيت في كربلاء وذكر تلك الديار وما جرى فيهخا من التقتيل الشنيع والأسف لعدم نصرتهم وإبداء الرغبة في التفاني من أجلهم والتمني للاستشهاد دونهم والمدافعة عنهم، والليبيون أميل إلى تسمية القصيدة وما ورد لمجاراتها بالتجريدة باعتبارها أنشأت مجارة لملحمة حربية شعرية ذات واقع تاريخي جرت في ليبيا وسميت بتجريدة حبيب، والتجريدة هي الخيل التي تنتدب من سائرها لوجه أو خيل لا رجالة فيها، وهو ما أطلق يومها على سيرة تاريخية لحرب اشتعل أوارها بين بعض القبائل الليبية، وقد تسمى أيضا (جردة حبيب) أو (فزعة حبيب) أو (حرب أولاد علي).

وقد أضيفت لهذه السيرة الشعبية الكثير حتى أصبحت الأشعار التي قيلت خلالها تسير مسير الأمثال في ليبيا.

وأصلها هي الحرب الواقعة بين قبيلة أولاد علي وقبيلة العبيدات وهم أبناء جد ولحد تنحدران من قبائل الحرابي نسبة إلى حرب بن عقار وأخوة علي بن عقار جد أولاد علي وكانت الحرب قد بدأت في موضع يدعى (المربط) ويوجد في الجبل الأخضر، وكان ذلك حوالي سنة 1670م وقبل أن التجريدة كانت على عهد الباي مصطفى باشا القرة ماني وبتأييد منه وكانت الحملة تزيد على 17 الف فارس وذلك لقهر أولاد علي ومناصرتهم المنتشرين في الجبل الأخضر ودرنه والجناح الشرقي والبالغ عددهم نحو 120 ألف نسمة، وكانت قبائل أولاد علي تجد المناصرة من القبائل الأخرى كالجوازي كما كانت تأتيها الامدادات من دولة المماليك في مصر والتي كانت تشجع الاضطرابات وتناصب الأسرة القرةمانلية العداء نظرا لانفصال المماليك عن الباب العالي.

وبعد كر وفر وسنين من الاقتتال غلب العبيدات أولاد علي فأزاحوهم شرقا إلى مشارف القطر المصري وغنموا أولادهم واقتسموا بينهم غنائم وذبح جميع المحاربين هذه الغنائم من أولاد علي إلا شيخ قبيلة العبيدات وهو الشيخ عبد المولى بن واعن الأبح فإنه رفض وحصل على ولد فأبقاه حيا وتركه قتل أحد أولاده الشيخ عبد المولى.

ولما علم عبد المولى لم يفعل شيئا لهذا الولد الذي اسمه (النعيعيس) لكونه قد أعطاه الأمان مسبقا وهكذا هرب النعيعيس إلى درنة وفيها عمل مع العثمانيين واستطاع أن يستقدم ابناء عمه من أولاد علي ويرجعهم إلى الجبل الأخضر وقد قويت شوكتهم فيما بعد وعادوا إلى حرب العبيدات، بل أن النعيعيس استطاع أن يؤلب العثمانيين على الشيخ عبد المولى حتى قتلوه وعلقوا رأسه في ميدان درنه، مما كان لهذا الحدث أثره البالغ في ذلك الأشعار والقصائد المدوية آنذاك.

وبعدها استعدت عائلة الشيخ عبد المولى الثأر، وقام بذلك ولده حبيب الذي أثبتت الأحداث التاريخية أنه كان فارسا مغوارا حصين الرأي والتفكير، استطاع أن يقنع والي طرابلس محمود بكير القره مانلي بإعداد جيش لجب (تجريدة) من عرب تاجوراء وزلين ومصراته ومن يحالفهم وقرر أن تشحن المراكب والمؤن والبارود وتبحر محاذيه للشاطئ الذي تكون عنده التجريدة امدادها بالذخيرة والطعام.

وقد قاد حبيب التجريدة حتى أوصلها إلى مشارف الجبل الأخضر ثم التحم الفريقان، وكانت الغلبة لحبيل وقبيلته ومن حالفهم على قبيلة أولاد علي، وانتهت الحرب بارتحال أولاد علي إلى مصر وأجلوا عن ليبيا ومساكنهم الآن في الصحراء الغربية من عبقة السلوم (العبقة الكبيرة)” حتى أشرق الاسكندرية.

وقد قام حبيب بعد ذلك بمكافأة القبائل التي ساندته كما اعترف بفضل الأندلسيين وإخلاصهم فأعطى الشيخ عزوز الأندلسي توكيلا في التصرف بأراضي درنه، كما خير المقاتلين في الإقامة معه او الرجوع إلى ديارهم فمن بقي معه في درنه وبرقة أقطعهم الأراضي وبقوا فيها والمعروف أن أكثرهم فضل الرجوع إلى مواطنهم الأصلية بعدما أدركوا ثأرهم في قبيلة أولاد علي.

وللأسف القول أن هذه العادة المستهجنة والتي سببها العصبيات القبلية قد أزهقت أرواح الأبرياء على مر التاريخ، ولا نبرئ من ذلك تشجيع الحكومات الغازية كالعثمانية والقرةمانلية لتلك الحروب على طريقة (فرق تسد) وما يهمنا أن الأدب الشعبي وفي مقدمته الأمثال والشعر بكل أنواعه الذي رافق تلك الحروب هو ما أدى بالتالي إلى مجاراته من قبل الشاعر عنصيل البرعصي في قصيدته (كربلاء) والتي اشتهرت فيما بعد في الصحراء الليبية وبين عاحة القبائل حتى جارها من جارها من شعراء ليبيا، وحال هذه القصيدة حال ما قيل في (تجريدة حبيب) وما قيل خلالها من الشعر المشهور وهو شعر يذكرنا بما قاله الليبيون الأولون من الأشعار التي رافقت هجرة بني هلال وهي مجموعة رائعة من الملاحم الشعرية التي لم تدرس حتى اليوم دراسة دقيقة، وهي متنوعة حسب البلدان (مصر وتونس وليبيا والمغرب والجزائر وباقي افريقيا).

ونعتقد أن الملحمة الهلالية هي المحطة الرئيسة التي انطلقت منها العنعنات القبلية والمطاحنات البطولية الحماسية، التي كان يرافقها الشعر مع كل حادثة أو وقعة ومع ضربة كل فارس وطعنة كل رمح وشهقة كل بطل جرى دمه في تلك الأحداث الدامية، فلا غرابة أن تكون الملحمة الهلالية أساسا لتجريدة حبيب وملحمة كربلاء الليبية، كما أنها الباعث الرئيسي لنسج الكثير من القصص الشعرية الذي نرى من المهم جمعه من أفواه المغنين والمنشدين الشعبيين وفيها يتردد اسم (علي) الفارس المقدام الذي يدك حصون الأعداء ويفني رؤوس المشركين بسيف ذي الفقار، مثلما يتردد اسم الزناتي خليفة البربري الذي واجه بني هلال ببطولة نادرة.

—————————————————————————————————————

[1] انظر مجلة الموسم الجزآن 49- 50 ص 79: مخطوطات تتعلق بالشيعة وآل البيت (ع) في ليبيا بقلم محمد سعيد الطريحي وانظر في مجلة الموسم أيضا الجزآن 49- 50 ص 73 وما بعدها:

أهل البيت في التعابير الشيعية الليبية، للأستاذ عي مصطفى المصراتي وراجع الموسم، الجزآن 57- 58 ص 250 وما بعدها الملف الشيعي التونسي وانظر فيه موضوع: التقاليد الشيعية في البادية التونسية، ص 260 الجذور الشيعية للبدو التونسيين.

[2] نص كلمة القيادة الشعبية الإسلامية العالمية في الملتقى التاريخي الثاني لقبائل الصحراء الكبرى في أغاديس بتاريخ 31 ربيع 1375 من وفاة الرسول (ص) 2007م مكتب البحوث والإعلام والنشر في جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، طرابلس، ليبيا، ص 15 وما بعدها.

[3] اسم (عنصيل) على ندرته فهو مستعمل في جنوب العراق، ومن ذلك اسم السيدة سليمة عنصيل مديرة قسم الأهوار في وزارة التخطيط والمتابعة الفنية لوزارة البيئة.

[4] نسبها بعض المتأخرين إلى شاعر من قبيلة ترهونة مسكن مصر، ولا يصح ذلك والمظنون أن الشاعر الترهوني قد شارك في مجاراتها كما هو شأن الكثير من الشعراء.

[5]الحجاج جانب الشيء ويطلقه البدو في ليبيا على جانب الجبل الأخضر أو حافته وفي هذا البيت تمنى الشاعر عنصيل أن يكون من بني الفرسان الذين ينجدون الإمام الحسين عليه السلام قبلية حرابي برقة، وفي البيت المذكور يقول (عيت مقرب) وهو من قبيلة البراعيص ويقول بأنهم حرابى عصارى وهنا يعرف بهم ويحدد موقعهم بقوله (من الحاج مقرب) أي من تلك الجبال مغرب، وهو دليل على أنه قال تلك الأشعار وهو في العراق الذي يكون في الشرق.

[6] تيغى: الحصان التيغى هو الحصان القوي الشديد الجسور.

[7] هلوعة هلوع جمع هلع وهو الخوف الشديد، ويروي هذا الصراع بشكل آخر يقول الرواة (ضرب دك تكميد دار هلوعة وآفة الأخبار ورواتها.

[8] يذكر الشاعر قبائل الرماح التي هاجرت في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) مع كل من قبيلتي الفوايد والجوازي اللتين هاجرتا مع نهاية القرن الثامن عشر وفي بداية القرن التاسع عشر وجميعهم الآن موجودون في مصر ومن رجالاتها الذين صنعوا تاريخ مصر الحديث حمد الباسل وهو من قبيلة الرماح والتي تعرف أيضا باسم البراغيث.

[9] الشرد: الكر في المعركة.

[10] الصادى: اسم من أسماء الطبل في اللهجة الشعبية.

[11] متزمت: عريض فنادى: حصان قوي الكفل.

[12] باليقين: كالجمع قينان وهي موضع القيد من ذوات الأربع وقال الليث القينان الوظيفتان لكل ذي أربع (تاج العروس).

[13] الجوايد: هي جياد السبق وجمع جواد.

[14] بوشلاك: هو المبروك بوشلاك الغيثي العبيدي وأولاده يريدان وحمد وعبد القادر ومحمد.

[15] جلن أولاد على: أعتقد الشاعر لم يذكر فضل التجريدة في إجلاء أولاد على وضيع حقها كما ضيع حق أهل البلاد في حرب البراعصة.

[16] افدرنه: من الفدر وهو تهدئة فحول الابل الهائجة، تهوج في الشتاء وتقدر (تهدأ) في الصيف.

[17] درناوية: ألفين كتيبة خيالية من مدينة درنة.

[18] أمعشية: هي الفرس الكريمة لا يسخرها صاحبها للعمل ولا يركبها إلا للزينة أو لقتال والبدو يضربون المثل بالفرس الكريمة (ليلة ما تجسر أمعشية).

[19] الصفية: يذكر الشاعر دور القبائل الطرابلسية الموجودة بدرنة في حرب الصفوف وهي حرب القبائل الكثيرة بين المغرفة وأولاد سليمان قبل حدوق التجريدة.

[20] جرايد: تفخيم لاسم تجريدة

[21] بمباشيه: جمع بمباشى وهو ما يعادل رتبة رائد في الجيش باللغة التركية.

[22] ما حسنة: لم يشعرن به.

[23] شاعر مصراته” لم ينتبه إلى اسم هذا الشاعر حتى أدونه.

[24] مصراته: يقصد بها الشاعر رجال مصراته

[25] زغيبات وذكيران: بطون من قبيلة مصراته وورفلة[قبيلة هوارة].

[26] الحاشية: بيوت انضمت إلى قبيلة مصراته ولكل قبيلة حواشي.

[27] ميز: من الميز وهو سباق الخيل.

[28] تحتوي قصيدة أبو سير القذافي على 6 مقاطع وفي كل مقطع 6 ابيات، هذا ما ذكره لي السيد عمر شكال، وعن سيرة أبو سير قال لي أنه عاش ومات بالفيوم في مصر وهو من نفس قبيلته القذاذفة وممن سكن مصر وقد أدرك القرن العشرين ومات في أوائله ولعائلته ذكر في منطقة الفحاصات في غريان كما لقبيلته صيت ذائع في هون، وودان، وزديله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى