المخابرات الليبية تكشف أسرار ومخططات التيار السلفي المدخلي في المنطقة!

شخصت المخابرات الليبية،من خلال دراسة موسعة، تحوزها الشروق، التيار المدخلي عنونتها بـ”السلفية المدخلية في ليبيا: التوجهات والحضور وسبب الإحتواء… دراسة لصالح جهاز المخابرات الليبي”، ووفق معدو الوثيقة “السرية” على نشوء المداخلة في ليبيا وتعامل نظام القذافي معها وتعاطي المداخلة مع “ثورة فبراير” وبعدها.

القذافي قمع المداخلة ثم رفع اليد عنهم:

تذكر الدراسة أن ليبيا لم تكن استثناء فيما يتعلق بنشأة جماعات وتيارات اسلامية،تزامنا وحالة الصحوة التي شهدتها المجتمعات العربية، فأصبح لجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير فروع، وبدوره انتشر المد السلفي بمختلف أنواعه ومسمياته،خاصة أثناء حكم القذافي، وتنبه الدراسة أن نظام القذافي قد “قمع” تلك التيارات وأوردت “كان القمع والتعذيب والسجن هو الرد على نشأة هذه التيارات وحركتها في المجتمع الليبي”.

عن التيار المدخلي،تشير الوثيقة “وهذا ما كان عليه في بداية الأمر فيما يتعلق بظهور السلفية المدخلية،فرغم اعتزال هذا التيار للنشاط السياسي وتجنبه الصدام مع الأنظمة الحاكمة،بل وتقف ضد من يخرجون على السلطات الحاكمة، لكن ذلك لم يشفع لهذا التيار فتعرض المنتمون إليه للسجن والاعتقال والملاحقة، نظرا لعدم تمييز عناصر أمن النظام لأفكار وتوجهات هذا التيار،الذي انتقل إلى البلاد عن طريق طلبة العلم في كليات الشريعة في المملكة العربية السعودية واليمن، وكذلك عن طريق الشباب الذين كانوا يزورون الأراضي المقدسة من أجل العمرة”.

عن الأسباب التي جعلت القذافي يتسامح مع المداخلة، تذكر الوثيقة “لكن ما لبث النظام أن أدرك في منتصف العقد الماضي، أن هذا التيار مختلف عن غيره من التيارات الأخرى، فرفع اليد عنه وسمح لمنتسبيه بحرية سهلت عليهم الحركة وبيع الكتب والأشرطة الدينية لبعض علماء السعودية وقراء القرآن والسيطرة على بعض المساجد وتصدر منابر الخطبة ومراكز تحفيظ القرآن في مناطق كثيرة”، وتتابع “لقد أدرك النظام أن هذا التيار سيكون عاملا مساعدا له في اللعب على العواطف الدينية لبعض الشباب إذا ما كانت هنالك دعوة للخروج على القذافي، أو تذمر من نظام حكمه، كما سمح لمن لهم رغبة في الالتزام الديني بالتجمع تحت هذا التيار طالما أنهم لا يرغبون في ممارسة السياسة”.

كيف تحول الساعدي الماجن إلى سلفي مدخلي ولماذا؟

تناولت الدراسة أبناء القذافي وعلاقتهم بالتيارات الدينية، وتذكر “مراقبون عدة يرون أن اتجاه الساعدي القذافي للتيار السلفي، إنما كان بتوجيه من الأب والمنظومة الأمنية لغرض متابعة هذا التيار وتبنيه، وجاء هذا في سياق توزيع القذافي لأدوار اللعبة التسلطية بين أبنائه، حيث تبنى سيف الإسلام نجله الأكبر عدة صفقات مع بعض عناصر جماعة الإخوان والجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة، تم بموجبها تخلي الجماعتين، عن المعارضة المباشرة والصريحة للنظام والتراجع عن الساحة السياسية، مقابل إطلاق سراح سجناء الجماعتين والمضي في الإصلاحات”، وبالعودة لدور الساعدي القذافي الشائع عنه استهتاره ومجونه.

نجد أنه قد أظهر التدين في الفترة الأخيرة قبل اندلاع ثورة فبراير، فأطلق لحيته وحلق شاربه وقص إزاره مدعيا أنه طالب علم سلفي على الطريقة المدخلية حيث أنه كثير الإلتقاء بشيوخ من طلبة العلم الشرعي، كما أحاط نفسه بأتباع خاصين ينادونه الشيخ”.

وتتابع الدراسة عن الساعدي “عقد الساعدي علاقات قوية مع شيوخ سعوديين تحصل من بعضهم بعد اندلاع ثورة 17 فبراير على فتوى تحرم الخروج على والده، واعتبار ثورة الليبيين على القذافي فتنة القاعد فيها خير من القائم، وعلى إثرها قامت شركتا ليبيانا والمدار للهاتف النقال -كان يديرها محمد نجل القذافي- ببث رسائل نصية تحث الناس على طاعة ولي الأمر والتزام البيوت”.

مشايخ المداخلة أمروا أتباعهم بعدم الانخراط في الثورة على العقيد وسيطروا على المساجد:

تؤكد الدراسة، أن “التيار المدخلي عزز من وجوده، مستغلا التسهيلات التي تحصل عليها من قبل نظام القذاف وتبني ابنه الساعدي له، وهو ما مكنه من السيطرة على الكثير من المساجد منافسا بذلك المشائخ الذين كانت تميل صبغتهم للصوفية أو المعتدلون،والذين كانت ترعاهم جمعية الدعوة الإسلامية والأوقاف بشكل مباشر، وفيما أصبح للتيار المدخلي العديد من المنتسبين تتمتع أيضا بحضور واسع في المجتمع الليبي”.

وتشير الدراسة كذلك، إلى أن مواقف التيار من ثورة فبراير كان متحفظا، حيث أمر مشائخ المداخلة، أتباعهم بعدم الانحراف في الثورة وأفتوا لعموم الناس بلزوم البيوت،والإبتعاد عن الفتنة التي أصابت البلاد،وخرج أحد أبرز مشايخهم “مجدي حفالة” المعروف بأبو مصعب على قنوات رسمية ليؤكد على هذه الفتوى،واستخلصت الدراسة أن الفتاوى كان لها وقع سيء على مؤيدي الثورة من عامة الناس إلا أن استياء العامة من الموقف كان له جانبان خففا من تأثيره على شعبية التيار المدخلي في البلاد، هما عدم تمييز عامة الناس بين التيار المدخلي وغيره من التيارات السلفية المشاركة في الثورة، فيما حظي موقف التيار باستحسان مؤيدي القذافي الذين صادموا الثورة أو الذين اعتزلوا وتجنبوا الصراع، كما أن الفتوى أدت إلى سماح نظام القذافي للمداخلة بالسيطرة على المساجد بشكل أكبر، كما تم تعيين بعض المداخلة في مناصب حساسة في الهيئة العامة للأوقاف.

هؤلاء شيوخ التيار وخطته للسيطرة على الحقل الديني:

تقول المخابرات الليبية،إن التيار يعتمد بشكل كبير على فتاوى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، ويعتبرونها العمدة في توجهاتهم،إلا أن التحديات الداخلية والتطور الذي شهد التيار ميدانيا، من خلال تمدده وانتشاره أدى إلى بروز رموز محلية لها تأثيرها على أفراد التيار، ومن أبزر الرموز وقادة التيار التي تذكرها الدراسة،نجد مجدي حفالة الذي وصفته بأنه أهم شخصية وهو بمثابة زعيم التيار في البلاد، والشيخ اشرف الميار،وهو آمر كتيبة التوحيد السلفية التي تقاتل في صفوف قوات عملية الكرامة-يقودها حفتر- والقائد في قوات الردع الخاصة بطرابلس أيمن الساعدي ووصفته بأنه “مدخلي متعصب”،إضافة إلى الشيخ محمل انقر بمدينة طرابلس،وعبدالحكيم المصري وذكرت عنه “رجل أعمال معروف بطرابلس مدخلي الفكر،لكنه غير ملتزم ويعتبر من أهم الداعمين للتيار المدخلي على الصعيد المادي، نظرا لخلافاته وكرهه لتيارات الإسلام السياسي،والشيخ طارق درمان الزنتاني”أحد طلبة الشيخ مقبل الوادعي،زعيم التيار المدخلي في عموم منطقة الجبل الغربي،يصل نفوذه لمنطقة صبراتة وصرمان،وله فيديو مسجل يحذر فيه من الإخوان،وهاجم فيه الصادق الغرياني”،إضافة إلى محمد عون، وأبو سعيد مفتاح المشيخي، وياسين فرحات العمامي، وأيمن العابد ونبيل الغرياني وهم طلبة علم درسوا في السعودية، على يد مشايخ التيار المدخلي ولهم تزكيات من مشائخ التيار في الداخل والخارج،وشملت المعلومات كلا من أنس الحداد والشيخ أبو احمد حميد المصراتي وسند الحداد وموسى طيب وموسى سالم، وعرفتهم الوثيقة بأنهم مشايخ التيار في البيضاء ويملكون بعض المجموعات المسلحة الصغير المختلطة مع بعض العناصر غير الملتزمين والتابعين بدورهم لقوات الكرامة، حيث تمارس هذه المجموعة عمليات الاعتقال بحق المخالفين لهم في مدينة البيضاء.

 الفضاءات الإعلامية التي أنشأها المداخلة قدمت الوثيقة:

إذاعة المرج السلفية، واجدابيا السلفية، وإذاعة مشكاة، والسلام،والإسلام، وسبيل السلف، والفتوى، والزاد النبوي، وأهل الحديث والأثر، والزنتان السلفية، وميراث الأنبياء، وعدد من المواقع والمنتديات كما هو الحال مع شبكة البينة السلفية،وشبكة الورقات السلفية، ومنبر الدعوة السلفية، وقنوات تبث على الفايس بوك كقناة سبها،ومصراتة السلفية،وبنغازي السلفية،وصبراتة السلفية.

كما عمل المداخلة، على إنشاء مدارس سلفية ضمن نظام تعليمي خاص في أبو سليم وطرابلس والهضبة،ومعاهد دينية صغيرة،ونشر المطويات التي تتعلق بفتاوى تتماشى وتوجهاته،ونشر أفكار وكتب الشيخ ربيع المدخلي،ومحمد رسلان والشيخ عبيد الله الجابري، وبعض المشايخ الآخرين مثل أبو مصعب،وتتعلق المناشير بمواضيع تحرم الديموقراطية،أو مهاجمة التيارات والجماعات الإسلامية الأخرى،مع القيام بجولات دعوية لبعض القيادات الدينية.

كما قام التيار،بإعداد الكثير من الدورات الشرعية تصدر بعضها من مشايخ من خارج ليبيا في بداية الثورة،وتوجيه مشايخ التيار لأتباعهم بدعم بعضهم البعض،حيث قامت بعض الجمعيات بدعم الراغبين في الزواج،والسيطرة على المراكز الهامة في الأوقاف، خاصة مكاتب الأوقاف في المناطق التي يقل فيها حضور التيارات الأخرى،وبحسب وزارة الأوقاف فإن المداخلة يسيطرون على 80 بالمئة من مكاتبها،والسيطرة على أكبر عدد من المساجد المنتشرة في البلاد،وتصدر الخطابة والإمامة ومراكز تحفيظ القرآن لضمان حصر الخطاب الديني في لون واحد يتوافق وتوجهات التيار.

صفقة زيدان مع القيادة السعودية أثمرت فتوى من المدخلي بجواز المشاركة في الانتخابات:

تعود الدراسة المطولة حول الفكر المدخلي، بشيء من التفصيل إلى الفترة التي بدأ فيها الحراك بليبيا ضد معمر القذافي، وتقول تحت فصل “بعض السمات البارزة لتطور خطاب وحركة التيار المدخلي”، “برر التيار فتواه في عدم الخروج على القذافي، ورغم اعتباره بكفر القذافي، هو ما أقرته هيئة كبار العلماء في الثمانينيات،إلا أنهم أفتوا بلزوم البيوت نظرا لأن الخروج على الكافر يحتاج عدة وعتادا،وإيقانا بالنصر بأقل تكلفة،وابتعدت الأنظار عن التيار بعض الوقت في الشهور اللاحقة لسقوط القذافي،عاد التيار لمواجهته للدولة وتحذيره المواطنين من المشاركة في انتخابات المؤتمر الوطني التي تمت في يوليو 2012،حيث ركز على محاربة الأحزاب الإسلامية، ونشر المطويات التي تتعلق بكفرية الانتخابات وحرمة المشاركة فيها”،لكن ظهر من خلال الوثيقة أن رئيس الحكومة الليبية السابق علي زيدان اهتدى إلى طلب فتوى جاهزة حيث تكشف “الموقف لم يستمر طويلا، حيث أن زيارة علي زيدان للمملكة العربية السعودية، وطلبه منها حث شيوخها على تشجيع المشاركة في انتخابات لجنة الستين، وانتخابات مجلس النواب سنة 2014، أثمرت في خروج فتوى من الشيخ ربيع المدخلي لأتباعه في ليبيا يجيز لهم المشاركة فيها، والتصويت للأصلح حسب تعبيره”.

فتوى المدخلي التي أشعلت حربا:

تقول وثيقة “السلفية المدخلية في ليبيا”، المعروف أن الشيخ ربيع ومن بعده مشائخ التيار، يفتون بضرورة الابتعاد عن الفتنة والحرب القائمة، في البلاد منذ الثورة الليبية وحتى أحداث عملية الكرامة، إلا أن مداخلة الشرق الليبي، أسسوا كتيبة التوحيد السلفية بقيادة اشرف الميار، للمشاركة في القتال بمدينة بن غازي دعما لقوات علمية الكرامة،وهو ما تعزز بفتوى أثارت انتباه الكثيرين وأشعلت حربا وخطابات وفتاوي هي الأكبر من نوعها، بعد أن كانت الخصومة محصورة بين أفراد التيارات الإسلامية، وقصدت الوثيقة فتوى الشيخ ربيع التي صدرت شهر رمضان ومما جاء فيها “على السلفيين النصرة لدين الله، وحمايته من الإخوان المسلمين،فالإخوان اخطر الفرق على الإسلام منذ قامت دعوتهم، وهم أكذب الفرق بعد الروافض…

وإذا هجم الإخوان على بنغازي،وقد هدد المسمى بالصادق الغرياني الإخواني المعتز بسيد قطب،هذا الغرياني يهدد بنغازي بحرب، وهو لا يحاربها إلا من أجل محاربة السلفيين، فعلى السلفيين أن يلتفوا لصد عدوان الإخوان المفلسين”، وتعلق الوثيقة على الفتوى السابقة “سلطت هذه الفتوى الضوء على الصراع ما بين المداخلة ومخالفيهم والدور المباشر لمشايخ السعودية فيها، بل والدور المباشر للشيخ ربيع المدخلي، حيث تعتبر هذه الفتوى حالة من الحالات النادرة التي يفتي فيها الشيخ ربيع بالمواجهة العسكرية المباشرة مع معارضي التيار، بعد أن كانت هذه الفتاوي تميل إلى الابتعاد عن الاقتتال ولزوم البيت، كما كان موقف الشيخ في بداية انطلاقة عملية الكرامة كما حدث في اليمن من قبل.

المداخلة وقوات الردع الخاصة:

بحسب الوثيقة،فإن الكثيرين يتحدثون عن الصلة الوثيقة بين التيار المدخلي وقوات الردع الخاص -قوات النخبة في حكومة الوفاق الوطني وقبله علميات فجر ليبيا- إحدى اكبر المجموعات العسكرية في طرابلس وأكثرها احترافية وكفاءة في البلاد،وفيما اختلفت الحقائق حول الخلفية الفكرية للشيخ عبد الرؤوف كارة، آمر قوات الردع الخاصة،إلا أن قيادات ومشايخ من التيارات المخالفة للتيار المدخلي أكدوا عدم انتماء كارة للمدخلية،وكان أشهرهم المقال الذي كتبه الشيخ علي السباعي على صفحته الشخصية والذي هاجم فيه في ذات الوقت بعض المنتسبين للردع الخاصة، من أصحاب الفكر المدخلي والذين قال إنهم يمارسون بعض الأعمال تجاه من يخالفهم.

وتؤكد الدراسة “التناقض في تصرفات قوة الردع الخاصة والتعدد في مواقفها يجعل من الصعب إطلاق وصف دقيق وجامد حول خلفيتها ومنهجها، إذ يبدو واضحا وجليا أنها تعترف بالأجسام السياسية للدولة الليبية دون لبس أو تلبيس أو محاولة للتلاعب في خطاباتها الإعلامية، وفيما تمارس التيارات الأخرى حربا على الإخوان، إلا أن قوة الردع الخاصة أشادت بالدور الذي قامت به بعض الكتائب –محسوبة على الإخوان- ضد تنظيم الدولة،ووصفت رئيس المؤتمر الوطني نوري أبو سمهمين بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة”، وقدمت الدراسة تصرفات أخرى تشير إلى أن الردع الخاصة لها ميولات للتيار المدخلي “على صعيد آخر فإن بعض التصرفات لقوات الدرع الخاصة، أثار الانتباه حول حقيقة سيطرة التيار المدخلي عليها، إذ أن القوات قامت باعتقال مشايخ ومسؤولين في الأوقاف مخالفين للتيار المدخلي بطريقة بها الكثير من الاستفزاز”


نقلا عن صحيفة في الجزائر الإلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى