مآلات توظيف السلفية المدخلية ومدى خطورتها (في ليبيا خاصة)
ما يُنذِر بخلخلة المشهد الإسلامي واجتذاب الصراع بين الحركات الإسلامية والأنظمة إلى صراعٍ داخلي بين الحركات يُشارك فيه عموم الشعب بوعي أو بغير وعي.
أولا: إباحة دم المسلمين والاغتيالات (التيار المدخلي في ليبيا تحت رعاية حفتر)
ولإن كان هذا الذي يحدث من السجالات الفكرية في المشهد الإسلامي يُعطّل مسير الحركات تجاه أهدافها وسعيها للتحرر إذانًا بعودة الدور الريادي للأمة الإسلامية، فإن الأدوار التي أُوكِلت إلى التيار المدخلي في الساحة الليبية تأذن بتعطل كامل المسير في حرب إبادة لأي هوية إسلامية سوى التي يمثلها المداخلة.
حيث بدأ التيار المدخلي عمله داخل الساحة الليبية برسالة وجهها ربيع المدخلي إلى أتباعه أثناء الربيع العربي، جاء فيها: «إن الإسلام، لِكمال هديه وكمال حِكمته، يمنع الخروج على الحكام وما يؤدي إلى الخروج، ويأمر بالنصيحة والموعظة الحسنة النافعة بالطرق الحكيمة البعيدة عن الإفساد والمفاسد»
وبهذا ابتدأ التيار في ليبيا رحلته للاصطفاف في معسكرات النظام،وفي مواجهة الشعب، فمنذ انطلاق عملية الكرامة كان التيار المدخلي في الخدمة يدعم ويقدم الولاءات.
ففي مدينة بنغازي ظهرت كتيبة التوحيد السلفية،بقيادة عز الدين الترهوني، والكتيبة السلفية بقيادة أشرف الميار،كما حصل محمود الورفلي المطلوب من محكمة الجنايات الدولية والمتورط في تصفية مئات الأشخاص على موقع قيادي في العملية المذكورة.
ولم تكن بنغازي هي نهاية المطاف،بل كانت هي البداية فحسب ففي الجنوب: كانت كتيبة سبل السلام [مدينة الكُفرة]على الموعد،ولم تتأخر في التماهي مع القوات الحفترية وتنفيذ الخطط التي أعدّها ولي الأمر الشرعي–حسب زعمهم-“خليفة حفتر”.
وكان هذا نتيجة الفتوى التي أصدرها ربيع المدخلي بوجوب القتال إلى جانب قوات الكرامة في بنغازي،والتي أكد فيها أن «على السلفيين في ليبيا النصرة لدين الله تعالى وحمايته من الإخوان المسلمين وغيرهم. فالإخوان المسلمون أخطر الفرق على الإسلام،وهم من أكذب الفرق بعد الروافض… وإذا هجم الإخوان على بنغازي، فعلى السلفيين أن يلتفوا لصد عدوانهم ولا يمكنوا الإخوان من بنغازي… الإخوان يلبسون لباس الإسلام وهم أشد على السلفيين من اليهود والنصارى».
وبهذا أسدى المداخلة جَميلًا لقوات حفتر إذْ وفروا لهم الغطاء الديني والتبرير الشرعي؛ ما زاد من ثِقل الحِمل في مواجهة هذه القوات، حيث أصبحت مواجهتهم تتطلب إقناع الناس أولًا أنّ هذا ليس هجومًا على الإسلام، وما هو بخروج على ولي أمر شرعي لا يجوز الخروج عليه، وجاء هذا إثر فتوى المداخلة بأن حفتر ولى أمر تجب طاعته، واعتبروا حربه مقدسة موافقة للكتاب والسنة وأن من يقاتله هو خارجى مارق.
ففي نفس السياق تشير الأدلة بعد اعتراف المُنفِّذين بضلوع المداخلة في خطف واعتقال وتصفية عدد من المحسوبين على تيار المفتي الصادق الغرياني،بينهم الشيخ نادر العمراني عضو مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية،والذي أثارت حادثة تصفية الرأي العام، ما اضطر المداخلة لنفي التهمة عنهم،رغم اعتراف المُنفِّذين بكامل تفاصيل العملية.
ولم تكن حادثة اغتيال العمراني وأصحابه استثناءً فلقد أعلن وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق عن مسئولية الشيخ قجة الفاخري الذي قاتل في صفوف قوات حفتر على إثر دعوة ربيع المدخلي أتباعَه للقتال في جانب قوات الكرامة،عن تنفيذ مذبحة الأبيار في بنغازي، والتي قتل فيها 38 مدنيًا.
أما محمود الورفلي ذو السجل الحافل بجرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان،والذي كان لا يتورع في نشره إجرامه وما يقوم به تصفيات على صفحات التواصل الاجتماعي، كانت مرجعيته نصوص استمدها من أدبيات المداخلة وكبار مُنظِّريها،والتي كانت تصاحب دائمًا الفيديوهات التي كان ينشر فيها ما يُنفذه من تصفيات.
ولم تتوقف جرائم المداخلة على مخالفيهم من الجماعات الإسلامية، فلقد امتدت يدهم إلى العوام، ففي الكفْرة قاموا بقتل رجل والاعتداء على زوجته.
أما في مصر
شهد اعتصامي رابعة والنهضة خروج التيار المدخلي عن صمته الذي التزمه تزامنًا مع تولي الإخوان حكومة مصر، وعلى غير عادة التنظيم في الولاء للحاكم بوصفه ولي أمر أو حتى حاكم متغلب لم يكن الإخوان ولاة أمر شرعيين لدى التنظيم. ولكن ما إن حانت الفرصة للتيار المدخلي وظهرت بوادر ضعف حكومة الإخوان أمام الجيش الذي استولى على السلطة قدَّم المداخلة أوراق اعتمادهم لدى الحكومة الجديدة.
حيث حرَّض محمد سعيد رسلان جنود السيسي على المتظاهرين في كرداسة، ولم يأتِ على ذكر ما تعرَّضت له أهل كرادسة من تضييقات وصل حدّ الحصار. ناهيك عن تصريحاته بأن السيسي ولي أمر لا تجوز منافسته ولا يجوز الخروج عليه.
ثانيا: الوشاية بالعلماء عند الحكام
سعوا إلى الوشاية على الدعاة ورفع التقارير فيهم للحكام، فقد سئل عبد العزيز العسكر عن حكم العمل مع المباحث–في شريط مسجل بصوته–فقال: «وماذا يضيرك لو عملت في المباحث وقمت بحماية الدولة من المفسدين والخارجين».
ومنهم من كتب رسالة بعنوان «التّنظيم السرِّي العالمي بين التّخطيط والتطبيق في المملكة العربيّة السعوديّة حقائق ووثائق» قدَّموها إلى وزير الداخليّة السعودية آنذاك–نايف بن عبد العزيز–جاء فيها التحذير من تنظيم ينشط في الساحة السعودية جاء في وصفه أنه ما ينشط إلا بغية الوصول إلى الحكم لإقامة الدّولة الإسلاميّة التي ينشدونها.
وتابعوا تقريرهم، بدعوة الأمير نايف، لاعتقال كل داعية لا يرضخ لآل سعود، أو يعترض عليهم، ومعاملة كل معارض للسلطة بذات الحزم الذي اتخذه نايف ضد سلمان العودة وسفر الحوالي مع غيرهما ممن يسيرون على منهجهما، بدعوى أنّ في ذلك خيرًا كثيرًا.
ثم دعا التقرير ولاة الأمر السعوديين لإغداق الأموال على أنصار ورموز التيار المدخلي، وتذليل كل ما يعترضهم من معوّقات، وإطلاق يدهم في مواجهة كل معترض على ما أسموهم “ولاة الأمر الشرعيين”. بدعوى أن ذلك يُساهم في الحفاظ على الجيل الناشئ من أفكار الصحويين الخارجين على الحكام.
وينتهي التقرير بمدح الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية للحد من انتشار الأفكار التي تتصادم مع رؤية الدولة، وذلك بمنع النّشاطات الإسلاميّة، ودراسة الكتب المطروحة في الأسواق المصريّة، وإصدار منع لكلِّ كتاب فيه محاولة لتشويه صورة الإسلام–حسب رؤيتهم-. ودعوة الحكومة السعودية لحذو هذا النحو.
ثالثا: إسقاط رموز العمل الإسلامي
ولإن كان المنهج المدخلي وبخاصة في الجرح والتعديل الذي لم يقصره المداخلة على رجال الإسناد،وأطلقوه في الحكم على الأشخاص في المجال العقدي والفقهي بل وحتى الفكري،دون اعتبار لمسائل الخلاف السائغ وغير السائغ،لا يشكل في حقيقته خطرًا داخل الوسط الديني وطلبة العلم والعلماء، لما تملكه تلك الفئة من أدوات للنقد والحُكم على الأقوال إلا إن خطـرهم يكمن في التشويش على العامة وصغار طلاب العلم، وعلى المسلمين الجدد.
فعامة الناس تثق في مَن سمتهم الالتزام بهدي النبي في مظهره، فيأمنوهم على الرأي والفُتيا، فيستغل المداخلة هذه الثقة من العوام لنشر أفكارهم وأقوالهم التي انتقدها أهل العلم كما بيَّنا، فينشأ الناس على تكفير وتبديع وتفسيق العلماء وطلبة العلم والمجاهدين والدعاة، وعلى تقديس الحكام، والولاء المطلق لكل مُتغلِّب. كذلك يتساهل الناس في الحكم على العلماء،بل في إطلاق أوصافٍ يترتب عليها أحكامًا شرعية، تُحلّ الدماء والأموال.
وحتى وإن لم يقتنع الناس بأحاديث المداخلة وتجريحهم، إلا إن ثقتهم في العلماء تتهاوى، وتسقط هيبة العلماء من أعين الناس، من كثرة ما سمعوا عنهم من المداخلة، أو نتيجة لفحش أقوال المداخلة في مخالفيهم، يظن الناس بوجود صراع داخل الوسط الإسلامي أو وسط “الملتزمين” كما يُطلق عليهم، صراع يُبيح الطعن واللعن والفاحش البذيء من القول!
رابعا: إظهار المنهج الإسلامي كعدو للثورات
سُئل الشيخ ربيع المدخلي عن حكم الخروج في المظاهرات والقيام بالثورات وتربية الشباب عليها. فأجاب أنّها من منهج ماركس ولينين وأمثالهم وليست من مناهج الإسلام.
الثورية وسفك الدماء والفتن والمشاكل مذهب ماركس ولينين والإخوان المسلمون ضموه إلى مذهب الخوارج وقالوا: إسلام، وأن الإسلام برئ من هذا فهو يرى أنّ هذه الأحداث تؤدي إلى مزيد من القتل وسفك الدماء، فضلا عن خراب الديار والبلاد
وعلى هذه الردود وغيرها الكثير من المواقف الصريحة في العداء للثورات تربَّى المداخلة، وأشاعوا هذه الأفكار في الناس، وزعموا “أنّ هذا هو منهج السلف، بينما تلك الثورات هي من أعمال الاشتراكيين أمثال ماركس ولينن”!
وللأسف فكثير من الناس يخلط بين آراء هؤلاء المداخلة وبين المنهج السلفي الإسلامي وما كان عليه السلف من التابعين والصحابة، فيقتنع الناس أن الإسلام منهج يُقرّ الطغاة على طغيانهم، ويحكم ببقاء الناس تحت وطأة الظلم والطغيان، ولا يجوز لهم تغيير هذا المنكر بزعم أنّ هذا الطاغية أو ذاك، ولي أمر شرعي لا يجوز الخروج عليه!
وكأنه ما جاء في القواعد الفقهية أنّ «التصرف على الرعية منوط بالمصلحة» وكأن الصدِّيق ما قال: «أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت ورسوله فلا طاعة لي عليكم»
خامسا: خطورتهم في أوروبا وعلى المسلمين الجدد
ولإن كان الإنسان حديث عهد بفكرة غير مُلِّم بعد بأبعادها ومبادئها وأصول الخلاف داخلها؛ فكثير ما تنازعه نفسه إلى ما كانت عليه وما ألفته، فكيف إذا ظهر له الخصومة والتفسيق والتبديع بل والتكفير والتحريض بين معتنقي الفكر الذي ذهب إليه؟
لذا فإن ما يقوم به المداخلة من إظهار أنّ الإسلام لا يسع المخالف في فروعه، بل في الاجتهادات التي لم ينصّ على قطعية الحكم فيها نصٌ شرعي؛ لهو من أول ما يُنفِّر كل حديث عهد بالإسلام يطَّلع على هذا الفكر الضيق في التعامل مع الشريعة، رغم أنها ذات الشريعة التي اختلف كبار أئمتها في بعض اجتهاداتهم ولم يُبدِّع أحدهم الآخر!
يقول الشيخ نبيل العوضي مُستحضرًا خطورة هذا الفكر:“خطورتهم في أوربا، يتصيدون المسلمين الجدد، حيث أرتدّ مسلم بريطاني حديث الإسلام بعدما سمع منهم هجومهم على العلماء والدعاة”.
ويقول الشيخ الحويني: لدرجة أنهم ذهبوا لكندا ليس للدعوة إلى الله، أو نشر الإسلام وهداية الناس، بل ذهبوا ليحذروا الناس من الدعاة والعلماء الذين لهم جهد مشكور على الساحة.
الإسلام في كندا غريب،والناس بعيدين كل البعد عن الإسلام، هناك عدد كبير من المسلمين ولدوا في كندا ليس له من الإسلام إلا الاسم فعند توجه البعض من هؤلاء المسلمين للإسلام نتيجة جهد سنين من الدعاة يخربه هؤلاء الجامية في أيام.
بقلم: مي محمد