الحرب الليبية الأمريكية…حرب السنوات الأربع (1801م-1805م)

أهل البيت في ليبيا 

الحرب الطرابلسية(Tripolitan War) نسبة إلى طرابلس أو الحرب البربرية الأمريكية الأولى (1801م-1805م) (Barbary Coast War)،وهي أولى حربين خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد دول شمال أفريقيا وسبب الحروب كان مخالفة البحرية الأمريكية لأوامر حاكم طرابلس يوسف باشا القرمانلي وعدم دفع الضرائب والمبالغ المالية المتفق عليها،وقيام السفن الأمريكية بالدخول إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط بدون أخذ الأوذنات والموافقات اللازمة.

كان جيش يوسف باشا يتكون من قبائل الكوارغلية الليبية والقوات الانكشارية بالإضافة إلى الكتائب المسلحة المشكلة من بين القبائل الموالية للباشا وكان الكوارغلية يشكلون الركيزة الأساسية للجيش ويقدم رؤساء تجمعات قبائل الكوارغلية العدد المطلوب من الجند لقاء الإعفاء من الضرائب وبدلاً لامتيازات أخرى وقد كان بوسع يوسف باشا القرمانلي أن يجمع جيشاً يضم 10آلاف خيال،و40ألفا من المشاة,أما بالنسبة للكتائب المقاتلة،وكانت هذه القوة تستخدم بصورة ناجحة في الحملات التأديبية ضد القبائل المتمردة والتي كانت أغلب وقتها على خلاف مع السلطات الحاكمة التي أنهكتها بالضرائب،وكانت القوات البحرية تتكون من 20سفينة مجهزة تجهيزا عسكريا جيدا ببحارتها البالغ عددهم حوالي الـ 1000 وإلى جانب الجيش كان ليوسف باشا فرق نظامية خاصة،تدعى (الشاويشية) لمهمة حماية السراي (قصر الحكم) والحفاظ على الأمن الداخلي للعاصمة والمدن الهامة.

كان يوسف باشا حاكم طرابلس القوي قد شعر بأن الأمريكيين يماطلون في دفع الضرائب المفروضة على مرور السفن الأمريكية التجارية بالبحر المتوسط فعمد إلى اهانتهم في رمز شرفهم الوطني عندما أمر في 14مايو1801م جنوده بأن يحطموا سارية العلم الأمريكي القائمة أمام القنصلية الأمريكية في طرابلس،إشارة إلى إعلان الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية,وعرف باعتباره أول رئيس دولة يعلن الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية المستقلة حديثا,انطلقت بعدها السفن الليبية تجوب البحر بحثا عن السفن الأمريكية للاستيلاء عليها وإجبار حكومة واشنطن على دفع مبالغ سنوية مجزية أسوة بباقي الدول.

قام القنصل الأمريكي في طرابلس جيمس كاثكارت بمقابلة الباشا عارضا احتجاج دولته الرسمي على الإهانة التي لحقت بالعلم الأمريكي، وطلب اعادة البضائع التي سلبت من السفن الأمريكية.فقال له الباشا: «أيها القنصل لا توجد أمة أريد معها الصلح مثل أمتكم، وكل دول العالم تدفع لي ويجب ان تدفع لي أمتكم.فقال القنصل:لقد دفعنا لك كل ما تعهدنا به اليك ولسنا مدينين بشيء.فرد الباشا متهكما: «في ما يتعلق بالسلام قمتم فعلا بدفع اللازم،أما في ما يتعلق بالمحافظة على السلام فلم تدفعوا شيئا».

عثمان بك بن يوسف باشا القره مانلي

كان وقع حرق العلم الأمريكي على قلب القنصل كوقع الصاعقة،واشتط غضبا حينما وصله خطاب الباشا،يأمره بمغادرة البلاد فوراً كانت الأجواء مشحونة والنفوس معبأة بفيض من الكراهية ومشاعر الانتقام من الجانبين ولم يستطع القنصل فعل أي شيء سوى تمزيق معاهدة السلام والصداقة،التي وقّعها مع طرابلس الغرب سنة 1796م،وعند حلول المساء، طفق المنادون يجوبون الشوارع قارعين طبول الحرب،فيما شرعت المآذن تلهب حماس الناس بآيات من القرآن الكريم،تحرضهم على قتال الصليبيين.

وخلال عشرة أيام بالضبط بعد الحادث،غادر القنصل الأمريكي كاثكارت طرابلس صحبة أسرته عبر البر متجها إلى تونس وقد وصف باشا طرابلس في احدى رسائله بأنه:شخص قاس القلب استولى على الحكم بقتل شقيقه ونفي الأخر ولا يتم اخافته بسهولة فقد قال لموريس “أنا لا أخشى الحرب فهي مهنتي”.

حسن باشا القره مانلي

ولم يسمع قائد الأسطول الأمريكي “ريتشارد موريس” بمستجداث الأحداث إلا في الـ 30 من يونيو،وذلك عندما دخل جبل طارق للتزود بالمؤن وهلع مما سمع إذ لم يكن يتوقع أن تجري الأمور بكل هذه السرعة وقد صدرت له الأوامر على الفور بإغراق وحرق وتدمير أكبر عدد من المراكب الطرابلسية،التي من المحتمل أن تواجههم في عرض المتوسط وكان جنود البحرية غاضبين منه لأنه يقضي غالب وقته في حفلات العشاء مع الضباط البريطانيين بجبل طارق رفقة زوجته وابنه وحاول مهادنة باشا طرابلس في لقاءه معه فحاكمته البحرية الأمريكية عسكريا بسبب سلوكه السلبي العشوائي وتجريده من رتبته.

أرسلت الولايات المتحدة سنة 1801م أسطولها الحربي إلى البحر المتوسط،وكان يدخل في عداده فرقاطتان جهزت كل منهما بـ 44 مدفعا،وهما (بريزيدينت) و (فيلادلفيا)،وواحدة صغيرة مجهزة بـ 32 مدفعا هي (إيسكس)،وأخرى شراعية مجهزة بـ12 مدفعا هي (انتربرايز) كان رئيس الجمهورية “توماس جيفرسون”،الذي باشر للتو أعماله الرئاسية كثالث رئيس للولايات المتحدة، يأمل بإرسال أفضل قواته إلى البحر المتوسط ؛كي تعزز هذه القوة من هيبة الولايات المتحدة في المنطقة ويلقن حاكم طرابلس يوسف باشا القره مانلي درسا لن ينساه في فنون القتال حسب تعبيره وكلف الأميرال”ريتشارد ديل”بقيادة هذه الحملة،أحد أبطال حرب الاستقلال والذي يتمتع بخبرة واسعة في مجال البحرية العسكرية. 

الرئيس الأمريكي توماس جفرسون

قال الرئيس جيفرسون موجها كلامه لنائبه ووزير دفاعه في مكتبه الرئاسي “سوف نلقن هذا العثماني الأبله،ـ ويقصد يوسف باشا حاكم طرابلس ـ درسا لن ينساه في فنون القتال وسنجعله نصراً مدويا ندشن به حقبة جديدة لأسطولنا وتواجدنا العسكري في أكثر مناطق العالم حيوية،وبهذا أيها السادة نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو بناء الامبراطورية الأمريكية”.

الفرقاطة فيلادلفيا:

الفرقاطة فيلادلفيا (بالإنجليزية: USS Philadelphia) التابعة لبحرية الولايات المتحدة، كانت فرقاطة بحرية تحمل 44 مدفعا تم تسميتها نسبة إلى مدينة فيلادلفيا،وكانت قد بنيت بين عامي 1798-1799 لحكومة الولايات المتحدة من قبل مواطني مدينة فيلادلفيا،بنسيلفانيا وقام بتصميمها جوزيف فوكس (1763-1847) المهندس البحري الأمريكي،في حين تولى الإشراف على بنائها صأمويل همبفريز (1778-1846) وهو مهندس من سلاح البحرية الأمريكية،إضافة لنثانيان هوتن وجون دلفو.

بدأ العمل في إنشائها في 14 نوفمبر 1798 وانطلقت في 28 نوفمبر 1799. وفي 5 أبريل 1800 تم تكليف القبطان ستيفن ديكاتور (1752-1808) بقيادتها حيث تم وضعها في البحر لغرض العمل في جزر الهند الغربية للمشاركة في حرب كانت غير معلنة بين الولايات المتحدة وفرنسا عرفت باسم “حرب القراصنة” ودارت بين عامي (1798–1800).

وصلت إلى محطتها في جزيرة غواديلوب في مايو 1800،لتحل محل الفرقاطة كونستيلاشن “Constellation“. وخلال هذه الرحلة قامت بأسر 5سفن حربية فرنسية،كما استعادت 6 سفن تجارية كانت قد سقطت في أيدي الفرنسيين.

عادت إلى الولايات المتحدة في مارس 1801لتؤمر فيلادلفيا بالتحضر للمغادرة في رحلة تستمر عاما في البحر المتوسط كجزء من الأسطول الذي يقوده ريتشارد ديرل (1756-1826) الضابط في البحرية الأمريكية،ليغادر الأسطول حيث كان القائد ديرل على متن الفرقاطة بريزيدنت “President” ويصل إلى جبل طارق في 1 يوليو 1801 واصلت فيلادلفيا الرحلة عبر المتوسط لتصل وتحاصر سواحل طرابلس.

أبحرت قبالة سواحل طرابلس في 31 أكتوبر 1803 وعمل لها الريس زريق أحد قادة البحرية الليبية كمين وتم استدراجها الى المياه الضحلة خلال ملاحقتها للسفن الليبية لتجنح في الصخور خارج ميناء طرابلس ولتبوء كل المحاولات لإبعادها عن مرمى المدافع المنطلقة من الشاطئ والقوارب الحربية الطرابلسية بالفشل ولتعلن استسلامها للطرابلسيين، ليقع قبطانها والطاقم “كعبيد” لباشا طرابلس.

اعتبرت فيلادلفيا جائزة كبيرة تقع في أيدي الليبيين في طرابلس لذلك صدر القرار إما باستعادتها أو بتدميرها في 19 فبراير 1804 قامت مجموعة أمريكية على متن المركب إنتربد “Intrepid” وهو مركب عسكري بصاريتين بالصعود ليلا إلى السفينة الراسية،حيث قاموا بإشعال النار في السفينة فيما اعتبره الأدميرال البريطاني هوراشيو نيلسون “أكثر الأعمال بطولية في العصر” حسب قوله وقد كان الحدث مفرحا للانجليز بهزيمة عدوهم المستقل عنهم حديثا والتخلص من سفينة حربية تشكل تهديدا لسيطرتهم على البحر المتوسط.

كتب الرئيس الأمريكي توماس جفرسون إلى وزير حربيته:

(لم يسبق أن شعرت بالخزي مثلما شعرت الآن لتصرف مندوبينا بالخارج بعد خسارة فيلادلفيا يبدو أنهم يظنون أننا هزمنا جميعا وأنه ليست في حوزتنا أية معدات،اذ أخذوا ينادون ويستجدون المساعدة من سائر أنحاء أوربا وكأننا عالة نحيا على المعونة).

الكابتن وليام بينبردج

وكتب الكابتن وليام بينبردج وهو في الأسر إلى وزير البحرية الأمريكية:

(تقهرني الظروف وتجبرني على الكتابة إليكم عن أسوأ خبر رأيته في حياتي وأنه لمن المؤلم أن أقول أن هذا الخبر هو فقدان الباخرة فيلادلفيا التي كانت تحت قيادتي .. وكم أتمنى أن يغفر لنا الجميع هذه الكارثة التي لا يمكن وصفها).

بعد أكثر من نصف قرن تم إعادة مرساها إلى الولايات المتحدة في 7 أبريل 1871 حين قام باشا طرابلس وقتها بإهدائه أثناء زيارة السفينة غورير “Guerriere” لميناء طرابلس.

بلغ وزن الفرقاطة فيلادلفيا 1,240 طن، فيما بلغ طولها 40 مترا، أما عرضها فبلغ 11.9 أمتار، عمقها كان يبلغ 4.1 متر. كان طاقمها مؤلفا من 307 فرد بينهم ضباط. أما ترسانتها فكانت مكونة من مدافع 18×28 و 16×32.

لا يزال ساري السفينة موجود في ركن السراي الحمراء في طرابلس يطل على ميدان الشهداء شاهدا على فترة كانت فيها طرابلس قوة لا يستهان بها في المنطقة.

*غزو درنة

بالتوازي مع الحصار كانت أمريكا تعمل من خلال قنصلها في تونس وليم ايتون على خطة لتغيير نظام الحكم في طرابلس عبر استمالة أحمد باشا القره مانلي شقيق حاكم طرابلس يوسف باشا وكان أحمد باشا،المقيم في منطقة برج العرب داخل الأراضي المصرية حالياً يعتبر نفسه أحق بالعرش من أخيه الأصغر الذي انقلب عليه وأقصاه عن الحكم لينفرد به وحده فخطط الأمريكيون من خلال السفير الأمريكي في تونس،وليم ايتون،لإقناع أحمد القره مانلي بأنهم قادرون على تتويجه على عرش طرابلس بعد التخلص من أخيه فقبل الأمر وقد لازمه الخوف من الفشل وأن يقبض عليه أخيه يوسف الذي لا يرحم ولن يتورع في تعذيبه وقتله وستفتك به القبائل الليبية التي تعتبره خائن استعان بالأجنبي لأطماعه الشخصية لحكم البلاد.

جهزت قوة من المرتزقة ومعهم قوات أمريكية يقودها ميدانيا ضابط يدعى “بريسلي نيفيل أوبانون” اعتبرت لاحقا أول فرقة “مارينز” في تاريخ أمريكا رفقة القنصل وليام ايتون وهاجمت شرق ليبيا سنة 1803م وغزت مدينة درنة الليبية وهي مدينة صغيرة على البحر المتوسط وتبعد عن العاصمة طرابلس 1000كم تقريبا ولم تكن بها قوة عسكرية كبيرة لحمايتها وسقطت في يد القوة الغازية ورفع علم الولايات المتحدة الأمريكية على قلعتها وبذلك اعتبرت أول أرض تحتلها الولايات المتحدة في تاريخها ولكن سرعان ما تم تطويق وحصار القوة الغازية وأجبرت على الاستسلام.

*انتهاء الحرب

عقب معركة درنة فرضت القوات العثمانية والطرابلسية حصارا على القوة الغازية الموجودة فيها فعمدت الولايات المتحدة إلى المفاوضات وتم توقيع معاهدة انهاء الحرب في 10 يونيو1805م عرفت باتفاقية طرابلس وطلب يوسف باشا من الولايات المتحدة الأمريكية غرامات مالية تقدر بثلاثة ملايين دولار ذهبا،وضريبة سنوية قدرها 20ألف دولار سنويا وظلت الولايات المتحدة تدفع هذه الضريبة حماية لسفنها حتى سنة 1812م،حيث سدد القنصل الأمريكي في تركيا 62 ألف دولار ذهبا،وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي تسدد فيها الضريبة السنوية.

في الصور قبر أوبانون قائد عملية غزو درنة وقد كتب عليه “The Hero of Derne” أو بطل درنة وهو لقب عرف به أوبانون لدى الأمريكيين, وانه اول امريكى يرفع العلم فى الخارج

 

اشتهرت هذه الاتفاقية حين اشارت ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة بأنها “ليست دولة مسيحية”،حيث اعتبرت المادة 11نقطة أساسية في المنازعات على مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة من حيث انطباقه على المباديء التي تأسست عليها الولايات المتحدة.

{حيث أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لم تنشأ، بأي حال من الاحوال، على أساس الدين المسيحي؛وليس لها في حد ذاتها أي طابع عدائي ضد قوانين أو دين أو سلم المسلمين؛وحيث أن الولايات لم تدخل أبدا في أي حرب،أو عمل من اعمال العدوان ضد أي شعب مسلم، فقد أعلن الطرفان أن لا ينشأ بسبب الآراء الدينية اي انقطاع في الانسجام القائم بين البلدين}.

وإلى هذا اليوم تجد في نشيد البحرية الأمريكية الذي لم يتغير منذ ذلك الوقت،حيث يقول مطلعه “من قاعات مونتيزوما إلى شواطئ طرابلس نحن نحارب معارك بلادنا في الجو والأرض والبحر”.


إعداد:مؤسسة أهل البيت في ليبيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى