التعصب والتمييز في المجتمع الليبي -ضد الشيعة نموذجا
كما في كل بلاد المسلمين ذات الأغلبية السُّنية، وفضلا عن الإسلاميين، يظل مُدّعو الليبرالية الليبيون بشرا عاديين، إلى أن يأتي حديث السنة والشيعة، فإذا بكل أقنعتهم الليبرالية تتساقط (لا شعوريا) وتطفو على السطح حقيقتهم (الكامنة) كطائفيين إسلاميين سُنة، وإذا بهم دواعش متحفزون لتكفير الشيعة – الرافضة، الصفوية، النصيرية – وإرسالهم إلى نار جهنم التي وقودها الناس والحجارة! وإذا بدعاواهم الليبرلية صكوك مغشوشة لا رصيد لها في بنك الليبرالية لا لشيء إلا لأن أيديولوجيا بني أمية، تشكل كل خلفيتهم الثقافية وذاكرتهم الجمعية، بما ترسب فيها من مُركّب تمجيد الذات وتبخيس الآخر، منذ أربعة عشر قرنا.
فما هو الشر الذي لحق بالشعب الليبي من الشيعة، كيْ يضمر لهم كل هذه الكراهية والعداء، ويتمنى إبادتهم عن بكرة أبيهم؟! حتى إنه ما أن يؤتى على ذكر الشيعة، إلا ويكون التعقيب بأبشع وأحط الأوصاف، وبأشد صور العنف اللفظي عنصرية، فأقل ما يوصفون به في التداول العام وعلى صفحات الفسيبوك: “شيعي قذر”! رغم أن كل ما يجري في ليبيا من مصائب وويلات، هو من فعل المسلمين السُّنة، سواء كانوا من داخل ليبيا أم من خارجها، وبدعم من دول سُنيّة (كتركيا وقطر والسعودية)، بدءً من تفجيرات بنغازي، التي لم تستتنِ حتى المركز الطبي في المدينة، وليس انتهاءً إلى تفجير الجوامع الأثرية وحروب ميليشيات (الله وااكبر) في العاصمة طرابلس.
فلماذا أنتم مصرّون على التمسك بأضاليل القرن السابع وحماقات أهله ؟! ما الذي يجديكم في القرن الواحد والعشرين (اليوم)، أن يكون (الإمام) علي – خليفتكم الراشد الرابع – على حق، أو أن تكون (الحميراء) عائشة والصحابيان طلحة والزبير على حق.. في معركة الجمل (مع ما يشوب روايتها من فبركات)؟! مالكم أنتم وللوغد معاوية والزنيم عمرو بن العاص والمولى البربري الغبي المدعو طارق بن زياد؟! حتى تناصبوا الشيعة كل هذا العداء السنيّ الأحمق؟!.. والخطاب موجه إلى العامة (الرعايا)، وبالأخص الأغلبية المُفقرَة، والمحرومة من أبسط حقوق المواطَنة، ومنزوعة الكرامة.
لماذا تكرهون الشيعة.. أكثر مما تكرهون الشيطان الرجيم ؟! وما الذي تعرفونه أصلا عن الفقه الشيعي.. حتى تتعصبوا للفقه السني، الذي لا تعرفون شيئا يُذكر من أصوله وفروعه أساساً ؟! لماذا أنتم حاقدون منغلقون عدوانيون إلى هذه الدرجة من (الغباء المقدس) ؟! لا لشيء إلا لأن كهنتكم – فقهاء السلاطين – قد غسلوا أدمغتكم وأوغروا صدوركم، بتخاريف تعود إلى أزمنة الامبراطوريات الأموية والعباسية والفاطمية ! حتى يبعدوكم عن التفكير بمشاكل حياتكم التعيسة وأوضاعكم المعيشية المزرية، واكتشاف أعدائكم الحقيقيين، الذين هم حكام بلادكم الفاسدون، والكومبرادور (الوكلاء التجاريون)، والطبقة الراسمالية – الطفيلية – المهيمنة اقتصاديا والمسيطرة سياسيا، من أثرياء السطو على المال العام، المتحالفين – عليكم – مع المؤسسة الكهنوتية الإسلامية، على قاعدة تقاطع المصالح الخاصة.
الشيعة لا يفخخون السيارات، والشيعة لا يفجرون أنفسهم بالأحزمة الناسفة في الأسواق العامة، والشيعة لا يذبحون البشر ويقطعون رؤوسهم، والشيعة لا ينشرون الإرهاب في العالم، ابتغاء الفوز بجائزة الحور العين… لكن كل ذلك يفعله دواعشكم من أهل السنة والجماعة.
فالذين أحرقوا مطار طرابلس العالمي، هم من أهل السنة والجماعة. والذين يفسقون بكم في السلطة – منذ خطاب تعدد الزوجات 23/10/2011 – هم من أهل السنة والجماعة. والذين بثوا فيكم الرعب بالمشاهد المتلفزة لعمليات حز الرقاب وقطع الرؤوس والصلب في درنة وسرت، هم من أهل السنة والجماعة. والذين يزنون ويلوطون ببلادكم – أمامكم – على قارعة الطريق، ويساومون عليها دوليا في سوق النخاسة السياسية، هم من أهل السنة والجماعة. أليس ذلك كذلك أيها الشعب (العديم) من أهل السنة والجماعة؟
ولا أكون مبالغا إذا قلت إن الأغلبية الساحقة، بما لا يقل – تقديريا – عن نسبة 90% من المجتمع الليبي، بمن فيهم أولائك الذين يعتبرون أنفسهم ليبراليين ويتشدقون بالديمقراطية، يكرهون الشيعة كراهية مطلقة، على أساس التمييز الطائفي، ويحقدون على المذهب الشيعي و(يُفتون) بخروجه عن المِلة المحمدية، ولا يذكرون اسم حزب الله اللبناني – مع تحفظي الشخصي على مصطلح حزب الله – إلا على أنه حزب (اللات). وهُم يفعلون ذلك دون أن يعرفوا شيئا عن تاريخ التشيع أو الفقه الشيعي – من مصادره – فكل معلوماتهم عن الشيعة والتشيع مستمدة (سماعيا)، من فكر التطرف الديني الحنبلي، وفتاوى ابن تيمية، وإعلام عشيرة آل سعود الوهابية.. في مملكة النفط وبول البعير.
إن التمييز ضد الآخر على أساس العرق أو المعتقد الديني، هو في القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية، وفقا لنصوص كل من : الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وإعلان الأمم المتحدة بشان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد.
وفيما يلي نص المادتين 3 و4 من الإعلان العالمي للقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد:
المادة (3):
يشكل التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكاراً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويُدان بوصفه انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والواردة بالتفصيل في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وبوصفه عقبة في وجه قيام علاقات وُدية وسليمة بين الأمم.
المادة (4):
1- تتخذ جميع الدول تدابير فعالة لمنع وإنهاء التمييز، على أساس الدين أو المعتقد، في الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في جميع مجالات الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وفي ممارستها والتمتع بها.
2- تبذل جميع الدول كل جهد لسَنّ، أو إلغاء ما تقتضيه الضرورة من تشريعات، لمنع أي تمييز من هذا النوع، ولاتخاذ جميع التدابير الملائمة لمكافحة التعصب على أساس الدين أو المعتقد في هذا الشأن.
هذا في القانون الدولي الإنساني، أما في الأخلاق.. فإن التمييز ضد الآخر على أساس الدين أو المعقد – فضلا عن العِرق – هو انسلاخ عن الإنسانية، وهو تعبير عن الهمجية وضيق الأفق، وهو انعكاس لأزمة أخلاق تستوطن الضمير الجمعي وتصوغ أحكامه التمييزية، وهو بالتالي سبة مشينة – إنسانيا وأخلاقيا – تلحق بأهله، من الفقهاء والدعاة، وجمهور الأتباع الإمّعات.
والتمييز يقوم على أساس تبني صورة نمطية سلبية عن الآخر، والتعامل معه بنظرة فوقية قوامها الكراهية، مع الإفراط في تبجيل الذات. فالمتعصب عِرقيّا – إثنيّا أو دينيا، يقول لنفسه: أنا الأفضل.. أنا الكامل، وما أعتقد به هو الصواب والحق المطلق، أما الآخر فهو شرير وسيء وناقص، وما يعتقد به هو الضلال والباطل المطلق. ولذلك فانا أكرهه وأحقد عليه وأتمنى هلاكه.
وأعود مرة أخرى، لأجزم بأن تلك هي الطريقة التي يفكر بها أغلب الليبيين، في شأن المسلمين الشيعة، يتساوى في ذلك الليبراليون منهم و[المالكيون والأباضيون] رغم أن الأباضية، ليسوا أفضل حالا من الشيعة في نظر فقهاء السنة، كما رأينا في فتوى التكفير الصادرة عن اللجنة العليا للإفتاء بالهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية، التابعة لحكومة برلمان طبرق، والمدعومة من القيادة العامة للقوات المسلحة (العربية الليبية) في برقة، فهم عموما مجتمع من المتعصبين (عنصريا ودينيا ومذهبيا).
والتعصب العرقي أو الديني.. تمييزا ضد الآخر المختلف، هو خروج عما توافق عليه العالم في القانون الدولي الإنساني.. واستهتار بالقوانين المحلية، فضلا عن كونه نقيصة أخلاقية، ورذيلة سلوكية. فليواجه كلٌّ نفسه.. وليتطلع إلى صورته في مرآة الإنسانية.
مختصر لمقالة للكاتب الليبي: محمد بن زكري