خبراء: العرب يتعاملون مع إيران بشكل غير مدروس
تباينت آراء خبراء وباحثين في الشئون الإيرانية، حول الأحداث التي تمر بها الجمهورية الإيرانية منذ نهاية عام 2017 حتى الآن، وقدم البعض روشتة علاج لكيفية تعامل الدول العربية وفي المقدمة منها مصر مع إيران بحيث تعمل على ضبط أدائها وتمنعها من التدخل والتمدد داخل الدول العربية والإسلامية، كل ذلك تمت مناقشته خلال الندوة التي نظمها مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس بعنوان “إيران إلى أين” وأدارها مدير المركز الدكتور أشرف مؤنس وحاضر فيها الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية والباحث محمد محسن أبو النور، والدكتورة منى حامد أستاذ اللغة الفارسية.
في البداية أكد الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية، أن مصر الدولة الوحيدة القادرة على التعامل بشكل احترافي مع إيران، بحيث تعمل على ضبط أدائها وإجبارها على الكف عن التدخل في تصدير مبادئ الثورة من خلال الحرس الثوري، وإحداث تمدد إيراني على أساس سياسي وليس ديني أو مذهبي، مشيرا إلى أن سوريا والعراق لم يستطيعا الوقوف أمام ذلك الطوفان، خلال فترة الغفوة التي سقط فيها العرب ومصر في المقدمة منها بعد أحداث الربيع العربي.
وأوضح أن التاريخ يقول إن إمبراطورية فارس عندما توحدت على مدار التاريخ احتل نصف العالم القديم، ولمواجهة ذلك الخطر يجب التعامل مع تلك الحالة بنوع من العقلانية ومن خلال دراسة الشعب الإيراني بشكل جيد، خصوصا وأن العرب يتعاملون مع إيران بنوع من السلبية من واقع فوبيا المد الشيعي، رغم أن الحرس الثوري هو القائم على عملية التمدد الإيراني والمتواجد في مكتب رعاية المصالح بالقاهرة ومعظم الدول العربية، وهو يعمل على تصدير مبادئ الثورة الإيرانية بشكلها السياسي وليس العقائدي، ومنطلقها من باب التعاون الثقافي، معتبرا أن العراق وسوريا وقعا في هذا الفخ، وباقي الدول تركت نفسها للمصطلحات الغربية التي تصف الحالة الإيرانية وتنفذ خطط الغرب في هذا الشأن، بشكل مغلوط قائم على العداء بين الغرب والإيرانيين.
وأشار إلى أن إيران “تعمل ألف حساب لمصر” لأن العقلية المصرية بارعة لا تنخدع بطريقة “التقية” الإيرانية، وتمتلك القدرة على ضبط أداء إيران، مدللا على ذلك بفترة التقارب التي حدثت بين البلدين في عهد الرئيسين السابقين حسني مبارك ومحمد خاتمي، حيث التقيا في جنيف وبحثا إمكانية إقامة علاقات مشتركة، وتشكلت لجنة مشتركة من البلدين اكتشفت أن القواسم المشتركة بينهما كبيرة وتستطيع كل دولة الاستفادة من الأخرى بما لا يمس بالأمن القومي.
وأضاف أن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه صدام حسين رئيس العراق الراحل، أنه تعامل مع إيران خلال فترة الحرب المشتركة بينهما بالثمانينات، على أساس عرقي، موضحا أنه كان يعتمد على تعدد الأعراق داخل إيران مما قد يجعله ينجح في تدمير الدولة من الداخل بإثارة النعرات العرقية وإحداث فتنة بينها، مشيرا إلى أنه لم يعلم أن أهل إيران عبارة عن مهاجرين من الشمال والجنوب لكي يستقروا في تلك المنطقة ويكونوا 72 عرق منهم العرب واليهود والفرس والتركمان والبلوش والأكراد، وأن الدولة بعد ثورة الخميني اعتمدت على تجميع جميع الأعراق تحت هدفين الأول ديني عقائدي والثاني هو المصلحة العليا للبلاد، بهدف تكوين دولة قوية تسود العالم.
وأشار أستاذ الدراسات الإيرانية، إلى أنه لهذا السبب تجد أن المرشد الحالي أية الله علي خامنئي ينتمي إلى التركمان الأذريين، فيما تمثل الحكومة والمتواجدين بالمناصب العليا جميع الأعراق بشكل متساوي، مدللا على ذلك بفضيحة “إيران جيت” حيث ساعد العرق اليهودي الإيراني دولته في الحصول على قطع غيار السلاح من السوق السوداء الأمريكية، في محاولة للتغلب على الحصار الاقتصادي الدولي وفقا للعقوبات المفروضة على إيران.
ودلل الدكتور السعيد عبد المؤمن على ذلك مستشهداً بأحداث احتجاجات 2009، والتي خرجت بتأجيج من مير حسين موسوي المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية أمام أحمدي نجاد، نظرا لأن نجاد فاز بمساندة المهمشين وسكان الجبال والصحاري لأنه خرج من وسط الطبقات الفقيرة، وكان سبب الاعتراض أن موسوي كان له الفضل في استقرار الدولة خلال فترة وجوده كرئيس وزراء في ظل الحرب مع العراق وعلاقاته جيدة مع خامنئي، في حين أن الأخير هو الذي أعلن بنفسه نتيجة الانتخابات وفوز نجاد، مما يدلل على أن خامنئي لا يتدخل في الانتخابات.
في حين قال محمد محسن أبو النور الباحث في الشئون الإيرانية، أنه لا يمكن قياس العملية السياسية في إيران التي يتم فيها انتقال السلطة بمنصب الرئيس كل أربع سنوات، على نظريات الديمقراطيات الراسخة في أوروبا على سبيل التحديد، وإدراك الخصوصية المعقدة للشخصية الفارسية التي تتقدم عندها القومية على الدين، ذلك أن الفرس أخذوا من العرب الإسلام، لكنهم لم يأخذوا منهم اللغة ولا الحضارة؛ بل على العكس صدروا منتجهم الثقافي من مرادفات وكتابات وفلاسفة ومفكرين إلى الحضارة الإسلامية.
وأضاف أبو النور أن الخليج العربي هو البعد الأهم للسياسة الإيرانية خاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية؛ لأنه مثل تماشي المصالح الأيديولوجية والمصالح السياسية جنبا إلى جنب، يمثل المصالح الأيديولوجية نظرا لانتشار أقليات شيعية في كل بلدان الخليج بلا استثناء؛ فضلا عن وجود الكتلة الشيعية الأكبر في بلد عربي مهم هو العراق خاضت معه إيران حربا مروعة استمرت 8 سنوات، ما يعني إمكانية الاختراق والتأثير عن طريق استخلاص مواقف شعبية من تلك الأقليات الموالية لإيران والمؤيدة لخطها، والواقع أن إيران أحرزت نجاحا كبيرا في تلك الزاوية.
ولفت إلى أن الخليج العربي مثل لإيران تاريخيا خط الدفاع الأول للأمن القومي لهضبة فارس، وأن الفرس تاريخيا اعتادوا على الهبوط من الهضبة الضيقة إلى الوادي العربي الفسيح في الخليج، إما للتجارة أو الرعي أو للحرب، وفي العصور القديمة كان ملوك فارس يستأجرون بعض مقاتلي القبائل الخليجية للحرب معهم في حروبهم ضد الروم على سبيل المثال، موضحا أن الخليج هو الكتلة الجغرافية المشرفة على ممرات الطاقة وهو صاحب أكبر قدر من إنتاج واحتياطي النفط وتشترك إيران مع دولة خليجية (قطر) في أكبر حقل غازي في العالم (يسمى في قطر حقل الشمال وفي إيران يسمى حقل بارس الجنوبي)، مضيفا أنه لذلك حرص النظام الإيراني على بناء علاقات معتدلة مع تلك الدول بالكامل، حتى يناير 2016، وكان لديه سفراء في كل عاصمة من تلك العواصم وسفيران في المملكة العربية السعودية أحدهما في الرياض والآخر في جدة لدى منظمة التعاون الإسلامي.
وأشار إلى أنه مع ذلك ينظر حكام إيران إلى دول الخليج باعتبارها دول دون المستوى الحضاري، ويكتنف السلوك الإيراني تجاه الخليج، حس الفوقية والاستعلاء، باعتبار أن العرب دهماء والأتراك بسطاء لا حضارة لهم، وهو شعور عميق في السيكولوجية الفارسية يميط اللثام عن الكوزمولوجيا التي ينظرون بها إلى الجيران على الشاطئ الغربي من الخليج.
ولفت إلى أن المشرق العربي “سوريا ولبنان والعراق” الإستراتيجية المثلى الأكثر ديمومة لصناع السياسات العليا بدوائر اتخاذ القرار في إيران، لاسيما مع المشتركات العديدة وأهمها الممانعة ضد المحور الإسرائيلي، وأن التواجد الإيراني اتسم بالبراجماتية الشديدة، لأنها شبكت علاقات مع نظام بعثي في دمشق ونظام ديني في العراق في مرحلة ما بعد سقوط النظام العراقي.
ولفت إلى أن إستراتيجية إيران تجاه منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، تساعد على فهم الطبيعة الآنية لنظام الحكم في طهران ذلك أن مواقف طهران من كل الدول الواقعة في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز دائما ما تتسم بالواقعية والبراجماتية وتغليب مصالح الأمن والتجارة على كل المصالح الأخرى، مضيفا أن مراكز الدراسات الكبرى التابعة لرئيس الدولة، وبالأخص معهد دراسات وزارة الخارجية، به وحدات وخبراء متخصصين في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز، بل ويصدر مجلات دورية فيها تقديرا موقف ودراسات متعلقة بهذا الإقليم ما يدل على أهميته لدى صناع القرار.
وتابع أن الأهم من ذلك أن العلاقات الإيرانية بدول تلك المنطقة نادرا من يشوبها العداء أو التوتر نظرا لحرص إيران على عدم المغامرة لأنها بذلك سوف تساهم في تعزيز عزلتها الثقافية والسياسية كما أنها لا تبتغي معاداة حليفها الروسي الذي يعتبر تلك المنطقة تاريخيا بمثابة فناء خلفي للمناورة ولعب الأدوار القارية الكبرى، وأنه لذلك تعاملت إيران ببراجماتية شديدة مع واحدة من أكثر القضايا حساسية لدى العالم الإسلامي وهي المسألة الشيشانية التي نشبت في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني العام 1994م، واكتفت فحسب بإصدار البيانات الخجولة التي تعد المسألة شأنا داخليا روسيا، وعلى العكس مما فعلت في اليمن أو سوريا أو العراق أو لبنان أو غزة، لم تبادر حتى بتشكيل ميليشات أو تحالفات لمواجهة حملات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تعرض لها مسلمو الشيشان، وأن ذلك يدلل على أن المواقف الإيراني تجاه دول الخليج العربي والمشرق العربي لا علاقة لها بالنزعة الدينية كما يتم الترويج له، بل إن منبعه مصالح سياسية لا يمكن فهم دوافعها إلا بتتبع الماضي الطويل لبلاد فارس.
وتوقع أبو النور أن حالة الشقاق بين النخبة الحاكمة في طهران وبين قطاعات كبيرة من المجتمع آخذة في الاتساع وظهر ذلك من خلال المطالبة رأسا بإسقاط النظام برمته وحرق صور المرشد الأعلى علي خامنئي والجنرال قاسم سليماني، فضلا عن الفجوة العميقة بين تياري الإصلاحيين والمحافظين، تلك الفجوة التي تنذر بتمزق عروة النظام بالكامل، لأن المرشد الأعلى علي خامنئي بنى فلسفته في الحكم على هندسة طبيعة نسبية معقدة من الصراعات، بحيث يمثل هو في النهاية المرجع الأعلى والسلطة الأخيرة التي يعود إليها الجميع في حالات التخاصم والفراق والشتات.
إلى جانب ما سبق لا يمكن التعويل على الرئيس حسن روحاني، نظراً لفقدانه قسما كبيرا من مصداقيته لدى الشارع الإيراني وكشف أرشيف تصريحاته للصحف عن مواقف غير مؤيدة لأي تظاهرات حتى منذ أن كان يشغل منصب الأمين العام لـ”المجلس الأعلى للأمن القومي”، ولذلك أبدى رفضا قاطعا لتحرك الجماهير والتعبير عن رأيها في الحركتين الاحتجاجيتين الكبيرتين السابقتين في 1999 و2009.
وألمح إلى استطلاع الرأي الذي أطلقه مستشار روحاني، حسام الدین آشنا، من خلال حسابه على موقع التغريدات المصغرة “تويتر”، طلب خلاله رأي الإيرانيين حول ما إذا كانوا مستعدين لوقف الاحتجاجات مقابل خطة عمل جديدة لتلبية مطالبهم، وصوت ما يقرب من 60 في المئة من المشاركين في الاستطلاع البالغ عددهم 17,500 بالرفض ضد المقترح، وهو ما جعله يحذف الاستطلاع، ما أن النظام الحالي يواجه أزمة ثقة عنيفة لدى المجتمع.
وفي النهاية، قال إن إيران المعروفة ببلاد التناقض والغرائب والأساطير، عودت الجميع على المفاجآت، ولا أحد يمكنه التنبؤ على نحو يقارب اليقين؛ لكنها كلها حسابات لحركة التاريخ في حيز الجغرافيا وحيز السيكولوجيا وحيز الصراعات البشرية على السلطة وبريقها.
أما الدكتورة منى حامد أستاذة اللغة الفارسية ورئيس شعبة الدراسات الإيرانية بالمركز، فقد طالبت بالبحث عن نقاط التعاون المشتركة التي يمكن أن تجمع العرب بإيران وتجنب النقاط الخلافية خصوصا وأن الروابط التاريخية كبيرة بين الإثنين.وأضافت أن الشعبة التي تترأسها تبنت مشروع معاصر يستهدف دراسة إيران بشكل علمي صحيح من خلال رؤية إستراتيجية معاصرة ومناهج مستقبلية بما يخدم المتخصصين وصناع القرار في مصر والعالم العربي، مرتكزة على تعميق الدراسة اللغوية للغة الفارسية، ودراسة الأدب الفارسي المعاصر وثقافة إيران المعاصرة ، مع التركيز على استغلال الأدب في دعم دراسة حركة النظام داخل إيران وخارجها، فضلا عن دراسة المؤسسات الإيرانية سواء مؤسسات المجتمع المدني، أو المؤسسات التي أفرزتها الثورة، أو التي استحدثها النظام، خاصة المؤسسات العسكرية والثقافية والسياسية والإعلامية، والخطاب السياسي والإعلامي الإيراني وفق منهج علمي نقدي يخرج بنتائج سليمة تخدم المجتمع وتعبر عن دور المتخصصين وقيمة دراساتهم وأبحاثهم.