هرطقات التيار السلفي السعودي في ليبيا (2)

أهل البيت في ليبيا

التيار السلفي السعودي هو الجذور التي تفرعت منها الجماعات المتطرفة وذلك بوقائع تاريخية متعددة،تفرعت القاعدة من المنهج السلفي السعودي في فترة الثمانينات وهي فترة الإحتلال السوفياتي لأفغانستان التي حرض فيها أئمة التيار السلفي في السعودية عبر المساجد شباب التيار السلفي في السعودية للقتال في أفغانستان كفريضة شرعية واجبة بتأويل النصوص الشرعية الخاصة بالجهاد وإصدار فتاوي الجهاد وشحنت بذلك عقول الشباب الذين اندفعوا إلى الجهاد في أفغانستان.

وبعد انتهاء الإحتلال السوفياتي لأفغانستان لم يجد هؤلاء الشباب توجيها لشحنة الجهاد المشحونة في عقولهم من أئمة التيار السلفي إلا بالإتجاه نحو الانظمة العربية والغربية لمجاهدتها مما شكل آنذاك مايعرف بتنظيم القاعدة من هؤلاء الشباب ومن تنظيم القاعدة تفرع في بضع السنوات الماضية ما يعرف بتنظيم الدولة.

نشأ هذا التنظيم من أحضان تنظيم القاعدة التى نشأت هى الأخرى من أحضان السلفية الجهادية،وذلك ببروز جيل من أجيال القاعدة يرى غير ما يرى مؤسسو القاعدة فشكل هذا الجيل تنظيمه الخاص بما يعرف بتنظيم الدولة بمعزل عن رباطه الأول بالقاعدة،ترى القاعدة بوجوب حرب من تعتبرهم مشركين ويرى تنظيم الدولة الإسلامية هذا الرأي ولكن يضيف معه بوجوب قيام الدولة الإسلامية وترى القاعدة أن المسلمين مسلمون تحت أي نظام حكم ويرى تنظيم الدولة الإسلامية أن المسلمين مرتدون ويوجب قتالهم تحت أي نظام حكم إلا نظام الدولة الإسلامية والذي يوجب تحته التوبة،وترى القاعدة بعدم جواز قتل المسلم مهما ارتكب من أفعال إلا في حدود الشريعة ويرى تنظيم الدولة الإسلامية بجواز قتله في حدود الشريعة وفي حدود مصلحة التنظيم.

هذا الاختلاف في الرؤية وهو اختلاف أجيال سلخ تنظيما جديدا عن القاعدة يرى غير ماترى القاعدة لذلك فان السلفية السعودية هى منبع التطرّف وهى الأم المولدة للجماعات المتطرفة وبعد أن تلدهم تتنكر لهم وحتى تقاتلهم ولمن لم يطمئن قلبه لكلامي أسوِّق شهادة الشيخ عادل الكلباني امام الحرم المكي في مقابلة مرئيّة في قناة ام بي سي حيث صرح الشيخ أن داعش نبتة سلفية وأنها تحمل الفكر السلفي وتستدل بالكتب السلفية.

عرفت السعودية أو شبه الجزيرة العربية أنها أرض الحرمين ومهبط الرسالة وميلاد ومنشأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته وحسب ولم تعرف بالمطلق من قرون ماضية بالعلوم الشرعية كعلوم القران الكريم وعلوم الحديث وعلوم الفقه كما عرفت بلاد المغرب التى فيها أقدم جامعة اسلامية وهى جامعة القرويين وكما عرفت بلاد تونس التي فيها من أقدم الجامعات الإسلامية وهى جامعة الزيتونة وكما عرفت بلاد مصر التى فيها من أقدم الجامعات الاسلامية وهى جامعة الأزهر ولم تكن هناك أي جامعة للعلوم الشرعية في السعودية إلا حديثا بعد هذه الجامعات العريقة بقرون ومن أراد صحيح الدين ومن كان حريصا على دينه فعليه ان يأخذ علوم الدين الاسلامي من منابعه ومن عراقته ومن أصوله الممتدة عبر قرون من بلاد مصر وتونس والمغرب ولا يفهم إلا أنه انسياق أعمى أبله لأفراد التيار السلفي في ليبيا وغيرهم من البلاد الذين يأخذون تعاليمهم وفتاويهم من السعودية .

حيث أن علوم الدين الإسلامي لم تكن محفوظة ولم تفسر على صحتها كما حفظت وفسرت على صحتها في جامعة القرويين وجامعة الزيتونة وجامعة الأزهر ما فعله أتباع التيار السلفي في ليبيا من هدم للتماثيل السياحية والأثرية ومنها تمثال الحسناء والغزالة في طرابلس وتماثيل تذكارية في مداخل المدن الليبية كافة لم يفعله الصحابة والتابعون في فترة الفتوحات الاسلامية حيث دخل جيش المسلمون في عهد عمر بن الخطاب مصر ولم يعرف أنه هدم التماثيل الفرعونية وامتد الفتح الإسلامي لشمال افريقيا في عهدي عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ولم يعرف عنهما تهديمهما لمدن بتماثيلها ورسومها من عهود مختلفة فأي سلف يتبع أتباع التيار السلفي.

والسؤال هنا لماذا لم يهدم المسلمون الفاتحون التماثيل الأثرية ؟ لأن أركان التحريم تنتفي في هذه التماثيل لأنها أثرية والتحريم للتماثيل التى تعبد من دون الله وأي تمثال له مقصد سياحي وأثري أو تذكاري خرج من التحريم ويدخل في التحريم التماثيل التى يقصد بها العبادة فقط وهذا ما أعلمه من ديني لم يعرف في عموم ليبيا أي انقسامات دينية حتى سيطر التيار السلفي السعودي على المنظومة الدينية.

وقد مكن له حكام جهلة في شرق ليبيا وغربها وجنوبها كما مكنوا في السابق لداعش وتنظيم القاعدة وبذات ماضي التمكين وبذات حاضر التمكين انياب حادة بدلت بأنياب حادة ، مكنوا له الجهلة ومكنوا له تقسيم الوحدة الدينية للشعب الليبي بتشتيته بأحكام مخالفة للدين الى علماني ومبتدع واباضي وسلفي وخارجي وفاسق لأنه حالق للحية رغم أن صلاتهم كانت في مسجد واحد دون تمييز قبل التمكين لهذا التيار المتنطع ولم يكتف بالانقسامات الدينية ليكتم ما للعقل من أداب وعلوم وأفكار وبحوث بمصادرة التيار السلفي السعودي للكتب الثقافية في مدينة المرج بشرق ليبيا حيث سيطرته الأمنية لتحالفه مع طرف من أطراف الصراع هناك في صدام بين انغلاق الفكر الديني للتيار السلفي وبين اتساع العلوم والآداب والفنون وليس صدام بين الدين الاسلامي والعلوم والآداب والفنون ولو صودرت كتب مسيحية دينية تبشرية او كتب شيعية او كتب يهودية دينية لتحالف الشعب الليبي المسلم كله مع هذه المصادرة ولكن ان تصادر كتب ثقافية كالروايات والأشعار وكتب التاريخ والاجتماع والفلسفة وغيرها فان ذلك مخالف مع ما كان عليه السلف من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم وقد تداولوا القصص والشعر فيما بينهم ولبعضهم شعرا من أبلغ الأشعار ولبعضهم سردا قصصيا مذهلا ومن ذلك رواية عائشة  لقصة أم زرع وغير ذلك من القصص العظيمة التي تداولها الصحابة فيما بينهم ومع أطفالهم في بيوتهم. 

كل مخالف لتيارهم معارض لأفكارهم يصمونه وصما أعمى بأنه جاهل وسفيه وعلماني وضد الدين بطباع متطرفة حدية ولا يردون حجة مخالفته بحجة مخالفة كما ينبغي للعقلاء بينما الحقيقة أن الجهل والسفاهة كامنان في تيارهم الذي ينكر حتى الحقائق العلمية الثابتة التى لا تتعارض مع الدين ويعتقدون جهلا انها تتعارض مع الدين،لقد أنكر بعضهم كروية الأرض رغم ثبات كرويتها علميا وحتى دينيا ويقولون عجبا إن الأرض مسطحة كقطعة مربعة سابحة في الفضاء ويستدلون على ذلك بآيات (( وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ )) (( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا )) (( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا )) بتفسير قاصر ولايعلمون ان دلالات الايات تشير الى تسطيح وتمهيد القشرة الارضيّة التى يعيش عليها الناس لتصبح مناسبة لتنقل الإنسان ولا تشير الى الشكل العام للأرض وأنكر كلهم حقيقة دوران الأرض حول نفسها او حول محورها بدلالات تفسيرية قاصرة لاعلاقة لها بدوران الأرض لآيات منها ((وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ )) (( وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ )) (( أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا )) والتى تعني في دلالاتها الحقيقية ثبات الطبقات الصخرية للقشرة الأرضية من حركتها الزلزالية وتعني ثبات البر الشاسع ولاتعنى البتة ثبات الارض في كليتها عن الحركة،انظر الى الأية الأخيرة حيث جعل الله سبحانه الأرض قرارا ويقصد به هنا البر وليس الأرض في عمومها الفضائي العام والدليل على ذلك أن أرفق سبحانه في أيته وجعل خلالها أنهارا وخلال الأنهار يكون في البر ولا يكون في عموم الكرة الأرضية كما فسره البعض دون خجل ودون وجل يناقضون العقل والدين والعلم علنيا عبر القنوات المرئية وعبر الصحف وما ذلك إلا صفعا وركلا ولطما لديننا الحنيف الذي يضعونه في موقف معارض مع ما ثبت من العلم.

وأنه والله جهل ودياثة أن تجلب الحكومة المؤقتة بشرق ليبيا أحد قادة هذا التيار من السعودية وهو المدعو أسامة العتيبي وكأن لا دين ولاديانة للشعب الليبي لتفسح له الطواف في المدن الليبية لينشر تنطعه وجهله وفتنه وفتاويه الدموية الساقطة التي لا تمت للإسلام بصلة في دياثة دينية لم يسبقهم فيها أحد ويصرح عبر قناة ليبيا الحدث أن الأرض ثابتة ولا تدور في معارضة علنية صريحة لحقيقة علمية ثابتة،ذات العلم الذي يعارضون حقيقة من حقائقه أن الأرض تدور حول محورها يركضون ركضا الى مشافيه اذا عن لهم المرض في دول أوربا وأمريكا ويقتنون أدويته،أنكروا كروية الأرض ودورانها رغم الأدلة العلمية وأغفلوا عن آية تتوافق مع الأدلة العلمية وهى دليل شرعي على كروية الارض ودورانها وتشير بوضوح إلى كروية الأرض ودورانها حول نفسها وهى آية :- (( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ )) * التكوير يعني في الآية لف شيء على شيء مستدير مكور وهو لف النهار على الليل الساكن في الارض بوقوع الاتجاه الشمسي وحدوث النهار في الجزء الأرضي الذي يتقابل مع الإتجاه الشمسي بدوران الأرض ثم لف الليل على الأرض بإنسحاب النهار عن الأرض بدورانها عن الإتجاه الشمسي مما يلف عليها الظلام وعودة الليل على الأرض حيثما هو ساكن فيها ولا يحدث هذا اللف المنتظم لليل والنهار إلا على الشكل الكروي للأرض كذلك فان تكوير النهار على الليل وتكوير الليل على النهار بلف الليل على النهار ثم لف النهار على الليل لا يحدث إلا بحركة لف وهى حركة دوران الأرض حول محورها وحيث الليل ساكن على الأرض وهو الثابت في الأرض فلا يمكن أن يحدث تكوره بالتناظر مع تُكوَّر النهار الصادر عن الشمس بحسب الآية ولفه على النهار إلا من ثباته على الأرض بدوران الأرض حول محورها فلا يوجد أي تعارض بين مفاهيم الإسلام والعلم الحديث.

بل إن هناك توافق مذهل متى فسرت مفاهيم الدين تفسيرا صحيحا ولكن التفسيرات الخاطئة لمفاهيم الدين الإسلامي هى التي تَخَلَّق التعارض ومن ذلك تفسيرات التيار السلفي السعودي وحسبي الله فيما أقول الذي له القوة والحول .


محمد علي المبروك
كاتب ليبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى