إستمرارية التراث الإجتماعي والثقافي الغدامسي

أهل البيت في ليبيا 

تميزت مدينة غدامس فى ليبيا عن بقية المدن الليبية بتركيبة اجتماعية و نمط حياتى فريد تداخل فيه الأساس الشرعي الإسلامي مع المنظومة العرفية والاجتماعية والبيئية لمنطقة غدامس بشكل لم ولن يتكرر في غيرها وهنا بيت القصيد فالقيمة في المحافظة على هذا التراث بإعتباره القيمة الحقيقية في المشروع وبالتالي يجب أن نركز على عوامل استمرارية هذه الظاهرة بتوفير كل الظروف اللازمة لبقائها واستمرارها واستثمارها والإستثمار فيها. 


داخل أحد البيوت

وننطلق في هذا الشأن عبر محاور مختلفة منها الآتي:

*أولا: محور التخطيط العمرانى فى غدامس

يتمثل هذا المحور في استحداث مخطط عام للمدينة يحوي عدة أحياء تحيط بالمدينة على شكل هلال، ويتم تخصيصها للقبائل التي كانت تقطن غدامس وبنفس النمط والتركيبة الاجتماعية وبالتالي نحافظ على النسيج الإجتماعي واللهجات والتقاليد والعادات فالذي حدث عندما أنشئت المدينة الجديدة كما نراها الآن لم تراع العلاقة الاجتماعية بين الشوارع القديمة في تخطيط الشوارع الحديثة وبالتالي حدث الخلط والإختلاط بين مكونات التركيبة الإجتماعية لأهالي غدامس،وإذا اضفنا لهذا الارتباك قدوم سكان جدد من خارج المدينة سوف نعرف حجم تأثير الإنتقال من المدينة القديمة على العادات والتقاليد.وفي كل دول العالم يسبق التخطيط العمراني دراسات إجتماعية تؤسس لأسلوب التخطيط فالعلاقات بين الجيران وتركيبة الشارع والمدرسة تساهم في بناء الشخصية الاجتماعية للمواطن،فهي تتحكم في أنماط السلوك وتفرز الأعراف والعادات والتقاليد أما إختلاط الحابل بالنابل فإنه يكدر العلاقات و يفرز الإنحرافات في السلوك وبالتالي يدمر النسيج الإجتماعي والتخطيط العمراني السليم يبنى على الموروث ويحافظ عليه فالهيكلية العمرانية والإجتماعية هي جزء من ذاكرة المجتمع ينبغي المحافظة عليها.

*ثانيا: محور تثبيت المشروع الثقافي الغدامسي بغدامس

و يعنى هذا المحور بتمحيص وتحقيق التراث الغدامسي وتثبيت الصحيح منه في كتب مثل:

*دليل سياحي علمي مفيد

ومن خلال الزيارة يلاحظ المرء إختلاف في إجتهادات بعض الاخوة القائمين على التعريف بتاريخ وتقاليد المدينة والحل يكمن في تحقيق المعلومات والبيانات وتوثيقها وتعميمها على الجميع وفي بعض الحالات يقع بعض الاخوة ممن يقومون بعمل الدليل السياحي في أخطاء فادحة لغياب الدليل السياحي المؤهل علميا والقادر على استخدام اللغات الأجنبية،علما بأنه توجد مبادرات طيبة في هذا المجال. 


زخرفة المبانى و المساجد

وأذكر هنا أني سمعت أحدهم يصف بعض الزخارف على أنها من الموروث المسيحى للمدينة ونبهته على الفور إلى خطأ ما يقول بالدليل، فغدامس بعد اربعة عشر قرنا فى الإسلام لا تحتوى في ثقافتها على موروث مسيحى يحمل في طياته فكرة التثليث والواضح لي هنا هو محاولته مجاملة السياح على حساب دين أهل البلدة.

*كتاب منهجي للمرحلة الثانوية

وهذا المشروع يعني بتأليف كتاب مدرسي بعنوان مجتمع غدامس يدرس لطلاب المرحلة الثانوية في غدامس وما حولها يغطي الجوانب الجغرافية والتاريخية والإجتماعية للمدينة بما يضمن إنتشار المعلومة الصحيحة بين الناس فيها،كما يمكن بيعه في المكتبات للمهتمين بهذه الثقافة. 


زخرفة المبانى و المساجد قبس من تاريخ غدامس الحديث بمتحف المدينة

أما بالنسبة لبقية المدارس الليبية فيمكن إضافة بعض مواضيع من ضمن مادة القراءة بحيث تتناول هذه الجوانب وتؤسس لبعث الرغبة في حب التعرف لديهم على غدامس.

*كتاب نشاط مدرسي

وهذا الكتاب يعنى بالزخرفة والفنون الغدامسية ويمكن أن يستخدم في مدارس غدامس لصقل المهارات الفنية للتلاميذ والحفاظ على الموروث الفني الشعبي الغدامسي،كما يمكن أن يستخدم كمادة تثقيفية ونشاط فني في أوقات الفراغ. 


نماذج من الزخارف والزينات

وتتميز غدامس ببعض الزخارف والرسومات المستعملة في المباني القديمة وبمجموعة محددة من الألوان كانت الأمهات تدرب البنات عليها؛ ففي غدامس تقوم العروس بتزيين بيتها وطلائه،ومثل هذه الفكرة صالحة للتطبيق في المدارس الإبتدائية بحيث يتدرب الطلاب والطالبات على هذه الزخارف ويمكن عمل معارض ومسابقات محلية لمثل هذا النشاط وتحديد جوائز لأفضل الأعمال الفنية بين المدارس المختلفة كذلك يمكن بيع مثل هذا الكتاب في المكتبات العامة لمن يرغب في تعليم أطفاله نماذج من التراث الليبي الغدامسي.

*قاموس لهجات غدامس

نظرا لوجود لهجات ومفردات مختلفة بين القبائل الغدامسية نرى ضرورة توثيقها ووضعها في قاموس للمعاني العربية لها وبالتالي لا تندثر مع إختفاء كبار السن بالتدريج والعالم يبحث في اللغات القديمة ونحن نترك معالم من تراثنا تضيع من بين أيدينا.

*كتاب أنساب غدامس

تلتقى في غدامس عدة أنساب من أهل البلد الأصليين ومن الفئات القادمة إليها من العرب والأفارقة وبالتالي تبرز الحاجة إلى كتاب الأنساب لربط العائلات من داخل وخارج المدينة ولإثراء التاريخ الإجتماعي لها.وقد رأيت بعض المعلومات في هذا المجال مبعثرة وتحتاج إلى تحقيق و توثيق.


هكذا تم التعريف بصاحب القبر

*ثالثا: محور استكمال مشروع التنمية و التطوير فى غدامس

بالإضافة الى إتمام المشروع الحالى يجب الإهتمام ببعث الحياة البيئية التقليدية وذلك بإنشاء محمية للحيوانات البرية لهذه المنطقة مثل الغزال والنعام والإبل وبعض الزواحف والطيور ويمكن أن يبدأ هذا من خلال إحدى المزارع المستحدثة بالمدينة كمشروع النخيل؛ أو على شكل قرية سياحية إستثمارية داخل المشروع أو بالناطق المحيطة بالمدينة مثل منطقة البحيرات على أن يخصص جزء ثابت من دخلها لصندوق غدامس للتنمية والتطوير. 


منطقة البحيرات موقع محتمل لمشروع سياحى

وكثير من السواح الأجانب يروق لهم تجربة رحلات القوافل وأكل لحم الإبل أو النعام أو الغزال والعيش في بيئة صحراوية لأسبوع من الزمان وإذا أضفنا لها بعض المناشط الترفيهية للكبار والصغار نوفر لها أفضل سبل النجاح.

*رابعا: محور تواصل وتداخل مع الجهات والمناطق الأخرى

من أجل خلق جو من التواصل مع بقية فئات المجتمع الليبى أرى تنظيم زيارات دورية ميدانية لطلبة السنة الثالثة بأقسام العمارة والاجتماع والتاريخ وتشجيع البحوث والدراسات والمشاريع ذات العلاقة بغدامس كما نرى تنظيم رحلات للكشافة والجوالة والشباب لغدامس بحيث يستخدم جزء من المدينة القديمة كبيوت للشباب وبيوت ضيافة للعائلات لقضاء بعض العطلات. 


سياح أجانب على كثبان الرمال

ويمكن إستغلال مباني المدينة القديمة في تنظيم دورات لحفظ القرآن الكريم ومسابقات عالمية في الحفظ بغدامس فقد ارتبط تراثها بالقرآن الكريم أصلا وكم من عالم وحافظ للقرآن خرج من هذه المدينة؛ ومن بين علماء غدامس الشيخ عبد الرحمن البوصيري وهو عالم ومربي له عدة مؤلفات واشتغل بالقضاء وانتهى به المطاف قاضي قضاة طرابلس وتوفي فيها بعد جولة في عدة مدن وقد أصدرت إدارة البريد طابعا تذكاريا له،ولم تعرف طرابلس جنازة بحجم جنازة الشيخ البوصيري كما نرى من الصورة. 


صلاة الجنازة على الشيخ البوصيرى بتاريخ 19 أبريل 1935م

*خامسا: استثمار ما تم إنجازه فى التواصل التا ريخى مع حضارة غدامس

كي يتم التواصل الشعبي مع تاريخ وحضارة غدامس نرى ضرورة استحداث مشاريع إعلامية بين الخيالة والإذاعة المرئية والنشاط الترفيهي والمسرحي بإنتاج مسلسلات عن تاريخ وأعلام وعلماء غدامس وحضارتها بحيث تصور على عين المكان كما يعيشها أهلها وبالتالي تخلق فرص عمل وتصقل القدرات الفنية المحلية وتساهم في إستغلال الإستثمار الحالي فيها. 


صناعات تقليدية بغدامس

ولو أضفنا إلى هذا محلات لصناعة وبيع المشغولات والصناعات التقليدية المحلية فإن ذلك سيخلق فرص عمل للنساء  والرجال بالمدينة،وإذا تم تهيئة متحف دائم للتراث داخل المدينة القديمة،فستجمع زيارتها بين المعمار والتراث في وقت واحد.

*سادسا: استحداث الهياكل اللازمة لإستمرارية الفكرة

بالنظر لما نتوقعه من نتائج لهذه الورشة لذا فإننا نقترح استمرارية مثل هذا النشاط وذلك باستحداث هيئة تنظم مثل هذا الملتقى بشكل دوري سنوى ثابت تحت أسم ” منتدى غدامس للتاريخ الإجتماعي والثقافي” ويعرض فيه الأدباء والبحاث من المهتمين بشؤون غدامس نتائج بحوثهم ودراساتهم حسب المواضيع المقررة لكل دورة؛وبهذا الشكل نضمن إستمرارية الحوار من أجل إحياء تراث غدامس.

كان هذا مقترح لبرامج عمل تخدم بعث وإحياء التراث والمحافظة عليه بشكل يساهم في تنشيط الدورة الإقتصادية ويساهم في إضافة مصادر للدخل تضمن الإستمرارية؛أعددته للمشاركة في دعم وإثراء أعمال ورشة عمل حول تأهيل وتوظيف مدينة غدامس القديمة التي عقدت بتارخ 17و 18 من أبريل 2010م،ولكن الظروف لم تسعفني للمشاركة فيها وأنا هنا أطرحه على جميع المهتمين بهذا الأمر متمنيا التوفيق لجميع المشاركين في هذا المجهود. 


د. فتحي رجب العكاري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى