مستقبل ميلشيات السلفية الوهابية في ليبيا

أهل البيت في ليبيا 

مع بداية الثورة الليبية وجد نظام القذافي الفرصة سانحة لاستدعاء ورقة الحركة السلفية الوهابية،واستخدامها في إفشال الحراك الثوري ليخرج الساعدي القذافي بهيئته السلفية في لقاء على قناة العربية السعودية يتحدث “كطالب علم سلفي” عن تحريم المشاركة في الثورة ووجوب الطاعة لوليّ الأمر،وقد استطاع الساعدي القذافي أن يتحصل على فتوى تحرم الخروج على والده من علماء دين سعوديين – رغم تكفيرهم للقدافي الأب في السابق-،وهو ما جعل مشايخ السلفية الليبية يفتون أتباعهم بعدم الانخراط في الثورة ولزوم منازلهم.

انخرط بعض رموز الوهابية في التعاون المباشر مع النظام،والدفاع عنه،والتحذير من علماء الثورة حيث قام الشيخ الوهابي “محمد الأنقر” بالرد على الشيخ صادق الغرياني، واصفا فتواه ضد القذافي بالباطلة،وأن هذا المنهج هو منهج “الإخوان المفلسين” ومعروف عن الأنقر أنه كان بصاص للأجهزة الأمنية القمعية في ليبيا”كان يُفتي بالتعاون مع الأمن، والإبلاغ عن شيوخ وخطباء المساجد المعارضين للنظام حينها”.

أما “مجدي حفالة”،كبيرهم الذي علمهم الدجل والكذب وأحد الوجوه المدخلية البارزة والمعروف بـ “أبو مصعب”،فقد استصدر منه النظام فتوى بلزوم البيت وتحريم الخروج على الحاكم،وقد بثَّ “حفالة” فتواه عبر القنوات التابعة للنظام.وهو ذاته الرجل الذي تغير موقفه عقب انتصار الثورة،وذلك بعدما شنّت جموع شعبية سهام نقدها لـ “حفالة” واصفين إياه بالخائن،ليخرج “أبو مصعب” في تسجيل صوتي لاحق، مُصرِّحا أنه أفتى بحرمة الخروج على القذافي تحت التهديد!.

انتشرت فتاوى السلفية المدخلية بصورة واسعة،نظرا لدعم النظام الليبي،والذي سخّر لهم كافة وسائل الإعلام الحكومي،بما فيها من برامج تلفزيونية وحوارية.لم يكتف النظام بوسائل الإعلام،ليرسل رسائل نصية عبر شركتي الاتصالات “المدار وليبيانا” التي كان يديرها “محمد القذافي” نجل معمر القذافي،والتي حملت مضامين تروج لفتاوى المداخلة،بطاعة وليّ الأمر، وتنفير من علماء السوء الذين أيّدوا الثورة!.

إلا أن انتكاسة الثورة في ليبيا وفشل الثوار في بناء مؤسسات قوية ونظام حكم متماسك لم تقف عائقا أمام تمدد السلفية الفعلي على الأرض استفاد الكثيرون من مكسب الحريّة الذي انتزعهُ الثوارُ عبر ثورتهم الدامية،وعلى الرغم من أن السلفية المداخلة كانوا منبوذين شعبيا في عديد المناطق الليبية، يلمزهم الناس بأنهم “مناصرون للنظام القديم”، فقد استفادوا من مكسب الحرية الذي أتاحته الثورة استفادة قصوى لم يتح لها مثيل في عهد القذافي،حيث بدأوا في افتتاح مكتبات خاصة،ومدارس السلفية الابتدائية،والمعاهد الشرعية على الطراز المدخلي،ومراكز العلاج بالرقية،الأمر الذي مثّل حالة دينية غريبة على المشهد الديني الليبي،الذي يغلب عليه المالكية والتصوّف.”

بالإضافة لما سبق،استولى الوهابية بالقوة والعنف،على عدد من منابر المساجد،وتغلغلوا في المناطق النائية والبعيدة،والتي يحظى أهلُها بتعليم متدنٍّ مع ضعف في الحال الاقتصاديّ.أما هيئة الأوقاف الإسلامية، فقد استمات السلفية للسيطرة عليها، وتطور بهم الحال مبكِّرا إلى تشكيل جماعات مسلحة صغيرة تثيرُ الشغب تجاه من تتعارض معهم المصالح بصورة مباشرة.”

أما عن الكيفية فقد كان أتباع الحركة الوهابية وميشلياتهم “يقتحمون مكاتب الأوقاف لتمرير سياستهم ويهددون باستخدام القوة إن لم يُستجب لمطالبهم،لقد تحولوا إلى متوحشين،لا في خطابهم فحسب،بل وفي سلوكياتهم الدينية” وبدأ الناسُ يسمعون بين الفترة والأخرى عن جماعة من أصحاب “اللحى والإزار” يهجمون على خطيب من خطباء المساجد وينزلونه من على المنبر وينصِّبون إماما من عندهم،بحجة أن هذا الخطيب مُبتدع يريد أن يلبس على الناس في شؤون دينهم”.

بالإضافة لعملهم على الأرض،نشُطت الحركة الوهابية كذلك على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي،وبدأوا ينشرون “الفتاوى السلفية”وبدأ التيار السلفي يستعيد نفسه شيئا فشيئا،من خلال جهود عملية مستمرة تمثّلت في مجموعة من الخطب والدروس في المساجد،وعبر مواقع التواصل،وعقد حوارات ولقاءات ونقاشات،وقد تمركزوا في مناطق معينة اكتسحوا مساجدها،وبدأوا يلبسون على الناس انطلاقا من منابرهم،ولاقت مساجدهم إقبالا من عموم الناس،إذ لم يميّز الناس بينهم وبين غيرهم من الإسلاميين.”.

فاعلية ميلشيات السلفية وعصابات لوهابية وتأثيرهم الميداني وتكتيكاتهم في التمدد في الداخل الليبي والزخم الذي اكتسبوه سواء بالمقدرة المالية،أو التأثير الرمزي الذي يعمل على التعبئة،مصطحبين معهم تصورا دينيا مصحوبا بحشد “مَشيخي” للتأثير على قطاع من الجماهير، كلها تشير الى تمويل كبير من المملكة السعودية.

مع نجاح الثورة الليبية،ومقتل القذافي في العشرين من أكتوبر الأول لعام 2011،ظهرت ممارسات السلفية مدفوعة بالخوف الذي مثّله غياب نظام القذافي،وهو ما جعلهم يتكتّلون في مجموعات منظمة، وسيكون لهذه الكُتل أكبر الأثر في عملية الكرامة برعاية اللواء المتقاعد خليفة حفتر والانقلاب على ثورة 17 فبراير.وبدأ السلفية يراسلون شيوخَهم في السعودية ومصر طلبا للمشورة فيما ينبغي الإقدام عليه في هذا الوضع الجديد،وقد انتابهم خوف شديد،ولّده اكتساح التيارات الإسلامية الأخرى التي شاركت في الثورة”.

وبذلك تحوّل السلفية والذين كانوا يحرّمون المشاركة السياسية قبل الثورة،إلى أكبر داعم سياسي ضد الإسلاميين في الاستحقاقات الانتخابية التي تلت ثورة 17فبراير،حيث صدرت فتوى من ربيع المدخلي يعتبر الإخوان أضر على الإسلام من العلمانيين،وعلى السلفيين المداخلة ألا ينتخبوهم أو ينتخبوا من يُمثّلهم،وجاء في فتواه:”الإخوان يلبسون لباس الإسلام وهم أشد على السلفيين من اليهود والنصارى،داعش تربت في إيران،وهم فصيل من فصائل الإخوان المسلمين،وهم أشد الأحزاب على السلفيين يكفرونهم ويقتلونهم”.

في أول استحقاق سياسيّ بعد الثورة،والذي تمثّل في “انتخابات المؤتمر الوطني”،سافر عدد من رجالاتهم للقاء ربيع المدخلي ومحمد المدخلي لاستفتائهما في حكم المشاركة في الانتخابات،وما يجب عليهم فعله إزاء ما أسموه “تمدد الجماعات المقاتلة والإخوان”. وهو ما جعل المدخلي يفتي بحشد الناس للتصويت في الانتخابات ضد الإسلاميين، وأن ذلك “نصرة لدين الله تعالى وحمايته من الإخوان المسلمين؛أخطر الفِرق على الإسلام!”.وتحوّل الأمر عند المداخلة من منع معارضة الحاكم أو مجرد الاعتراض عليه سياسيا،إلى الفتوى بوجوب المشاركة السياسية لإسقاط الإسلاميين إذا وصلوا هم للحكم،وهو ما يتسق مع أصولهم العقَديّة في نظرتهم للإسلاميين والتعامل معهم .

بعد تحوّل فضاء الفتاوى فيما يتصل بالشأن الليبي باتجاه شرعنة ممارسة الوهابية للقتل،تحول من يسمون طلبة العلم السلفي – في وقت قصير- إلى قوة ضاربة لها ثِقلها على الأرض وذلك منذ عام 2016.حيث تورط عدد من رموز السلفية في عمليات وُصفت بالإجرامية ضد الليبيين،وشابهت بعض ممارستهم ممارسات تنظيم الدولة “داعش” من تصفيات خارج القانون، وقتل بالشُّبهة،بالإضافة إلى عمليات اغتيال،وسيطرة على سجون داخلية.ومن هنا،ومع اتساع رقعة التسليح للميشليات للوهابية على الجغرافيا الليبية،فقد تشكلت قوى تتوزع شرقا وغربا وجنوبا تتواصل فيما بينها بشكل سري وخاص وتتظاهر بالتبعية لشرعية الدولة ومؤسسات القيادة العامة للجيش الليبي ووزارة الداخلية.

أسال الوهابية الدماء في ليبيا،مع ضعف في العلم الديني وضحالة ثقافية لا تخفى لجميع أتباعهم ولا يدري أحد على وجه اليقين ما الذي ستشهده ليبيا في الأيام القادمة،لكن استشرافنا أن السلفية الليبية سينقسم بعضهم على بعض بعد فترة من الزمان -كما هي عادتهم-،إذ إن منهجهم لا يسمح بالاستمرار والتماسك مدة طويلة،كما سيلعب السلفية دورا عابرا للقارات والبلدان،إذ أصبحوا بما مثلوه في ليبيا (واليمن كذلك) حالة يمكن استغلالها ودعمها في بلدان أخرى لها ظروف مشابهة.


مؤسسة أهل البيت في ليبيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى