القائد والسياسي الليبي “سيدي سليمان الفيتوري الادريسي الحسني”

أهل البيت في ليبيا

نزولاً عند كريم أمر بعض السادة المتابعين لسلسلة ( روّاد الإصلاح في ليبيا ) لنشر ترجمة عن “سيدي سليمان” من جانب،ومن جانب آخر محاولة لمنع سطو وسرقة وانتحال من تطلق عليه الجامعات أساتذة، فسأكتفي باختصار ترجمته رضوان الله عليه في نقاط،وبعدها،والمعذرة من قراء الصفحة سأتوقف عن نشر باقي حلقات السلسلة،حتى تنشر كاملة في كتاب سيحمل بإذن الله اسم (روّاد الإصلاح في ليبيا) يتضمن دراسة وافية لسير وأدوار العديد من السادة الصوفية،بتوثيق كامل محدد بذكر سنوات الهجرة والتنقل،وتفاصيل أخرى عن حلفائه ومن هم،وكيف تسلسل مشروعه من لدن جده “سيدي نبيل” وظروفه وحيثياته،وربط كل ذلك بالأحداث السياسية الدائرة في عصره التي وثقتها مصادر التاريخ الإسلامي،كابن خلدون وابن الاثير وغيرهم:

– ولد “سيدي سليمان الفيتوري الإدريسي”، بغرب مدينة الزاوية في 12 ربيع الأول 488 هــ (21/03/ 1095م)، وتوفي شهيدا في طرابلس يوم 17 ذي الحجة 537 هــ (02/ 07/ 1143هــ)، ونشأ في أحضان أسرته الزاخرة بالعلماء، فحفظ القرآن على يد والده، وتفقه عليه وعلى علماء أسرته الفواتير والعواسجة النبيليين الأدارسة.

– ورث عن أجداده أحلافا وارتباطات مع القوى النافذة في غرب طرابلس وشرقها، وهاجر الى مدينة زليتن بعد تعرض غرب طرابلس لغزوات متتالية من أنصار حميد بن جارية الوشاحي.

– نزل في ضيافة حلفاءه العمائم السليميين بزليتن،الذين كانوا في صراع مع العوامر أحد فروع الهلاليين فتعرض بسبب حلفه مع العمائم للتضيق،لكن حلفه مع صديقه الشخصي الشيخ عزاوي العمامي،الذي كان اسمه عين معناه،وفر له تحالفه معه حماية فكان خير عِزوة له،رضوان الله عليهما.

– ولد له سيدي يعقوب غرب مدينة الزاوية قبل هجرته الى زليتن،فيما ولد له في زليتن أولاده الآخرين وهم السادة: محمد الكبير، ومحيا، وعبد الله، وعبد العزيز، وعبد الواحد، ومحمد الصغير.

– تعددت أدواره وجهوده، فبيته في قرارة اللجمة زليتن (محل روضة أولاده في السبعة بزليتن) معقل علمي صوفي، كما كان معقلا لحشد الجهود لبناء كيان سياسي يوحد المنطقة بكاملها، دفاعا عن الدين والوطن، ولذا لم يدخل في صراعات مع كل من عارضه او ضيق عليه، كالعوامر الذين يبدو أنهم رأوا فيه منافسا لسلطتهم في المنطقة، أو حميد بن جارية وأحلافه في غرب طرابلس.

– يبدو أن تغيرات في محيط البلاد لم تترك له فرصة اكمال مشروعه السياسي، خصوصا الأحداث الدائرة في البحر المتوسط وصعود قوى جديدة بدأت في الصراع مع قوى أخرى، ومنها صعود النورمانديين في صقلية الذين حولوا البحر المتوسط الى بحيرة نورمانية فقد وصلت غزوات اساطيلهم للسواحل المغربية، واحتلوا قابس، بالإضافة الى أن طرابلس نفسها كانت تعج بالخلافات على السلطة.

– شكل “سيدي سليمان” قوة عسكرية مؤلفة من 11 قائدا تحت أمرته، لصد حملة روجر الثاني النورماندي على طرابلس، وتمكن بالفعل من صدها بعد مقاومة دامت لأيام،قبل أن يندحر روجر في آخر معركة استشهد فيها “سيدي سليمان” يوم 17 ذي الحجة عام 537م.

– وقوع معركة صد غزو روجر النورماندي على ساحل البحر، وتحديدا عن سيدي الشعاب، يدل دلالة واضحة على استمرار الدور العسكري الدفاعي لرباط سيدي الشعاب المتوفى عام 243هــ الى القرن السادس، ودليل آخر لا يقبل النقاش على الدور الدفاعي والعسكري الذي قام به السادة الصوفية طيلة أربع قرون للدفاع عن طرابلس، وأنهم كانوا حماتها وليس غيرهم.

– ارتبط “سيدي سليمان” بالعديد من القوى المحلية وشكل معهم أحلافا، ما يؤشر بوضوح على انخراط قادة طرابلس وغربها وشرقها في مشروعه السياسي الذي يهدف الى بناء كيان سياسي موحد، ومنهم “بنو جامع” الذين كانت لهم السيطرة في طرابلس، وإن كان حاكمها وقتها محمد بن خزرون، الذي تقول المصادر أنه “أسند لهم رياسة الجند”، وما داموا هم أصحاب رياسة الجند فلابد أنهم من تعرضوا لحملة روجر، وهم من استنجد بالعرب لنصرتهم، يقول ابن خلدون أن بني جامع استنجدوا “بالعرب فأنجدوهم وخرجوا إلى الإفرنج فهزموهم وغنموا أسلحتهم ودوابهم ورجع الإفرنج إلى صقلّيّة”، وإذا كان “سيدي سليمان” على رأس تلك القوة التي جاءت لصد الغزو عن طرابلس، فلابد أنه على صلة وثيقة وحلف مع بني جامع، وإلا لماذا لم يطلبوا النجدة من غيره.

– تتداول كتب التاريخ والمصادر أن “سيدي سليمان” أرسل أكبر أولاده الى الحج، وطلب منه أن يقرأ سلامه لرجل وصفه له في المدينة المنورة، وفعلا سافر ابنه الأكبر، سيدي يعقوب، للحج وفعل ما أمره به والده، فعزاه ذلك الرجل في والده، وقال له أنه توفي في جهاد النصارى بطرابلس، فشكى له سيدي يعقوب ضعف اخوته الذين تركهم ورائه يواجهون لوحدهم ظلم واجحاف العوامر من بني هلال، فسأل الرحل المدني كم أنتم، فقال له “سبعة”، وكم هم، فقال لهم “سبعمائة،فدعا الله أن يكون أولاد سيدي سليمان سبعمائة، وخصومهم سبعة. وهي واقعة أجمعت كل المصادر على نقلها على سبيل كرامة أهل الله، لكنني سأتوقف عندها للحظات منبها على زوايا يمكننا النفاذ منها لكشف ما تختزنه من معلومات، ودوما ما أنبه على ضرورة تفكيك حوادث كرامات أهل الله وأنها مدونة من مدونات التاريخ الصوفي:

– لماذا أرسل “سيدي سليمان” ابنه للحجاز، ومن هو ذلك الرجل الذي وصفه له، وطلب منه أن يسلم له عليه، ولماذا لم يسمه له واكتفى بوصفه فقط.

– من غير المنطقي أن يرسل “سيدي سليمان” ابنه للحج، فقط ليعلمه بوفاته عبر شخص في الحجاز، ولو كان مقصده ذلك فالبلاد مليئة بالصلاح من أهل الكشف الصريح، بل صلاحه هو ونظره الثاقب لأستار الغيب كاف، والأولى ترك ابنه لحماية أبنائه الآخرين فهم بحاجة كبيرة للحماية.

– باعتقادي أن مشروع “سيدي سليمان” السياسي أوسع بكثير من الجهة والقطر، ويبدو أنه كان على اتصال وثيق بالعديد الشخصيات حول العالم الإسلامي، وفي الأقطار المركزية كالحجاز، لقيادة مشروع سياسي عربي واسلامي أوسع، خصوصا وأن الحجاز كانت تعاني وقتها في عهد أميرها هاشم بن فليته المهنوي من ضعف كبير، وصراعات القوى للسيطرة عليها.

– احاطة الرجل الذي قصده “سيدي يعقوب” في المدينة بشيء من السرية، فــ”سيدي سليمان” اكتفى بوصفه وتحفظ على اسمه، ولو كان إمام المسجد النبوي، أو أمير المدينة وقتها، وهو الأمير الحسين بن مهنا، أو غيرهما، لسمّاه له، لكنه فيما يبدو شخصية على علاقة بمشروع سياسي لا يزال في طور التحشيد والدعوة هناك، بينما قطع “سيدي سليمان” أشواط ومراحل متقدمة فيه في إقليم طرابلس.

– يجب التفات الى أن “عبد الله بن نبيل” جد “سيدي سليمان”، أقام معقلا لمشروع دولة بغرب مدينة الزاوية، ترك فيه أولاده،وسافر مشرق إلى الحجاز حيث توفي ودفن هناك، وكانت وفاته في فترة حكم المهنويين للحجاز أيضا، فهل لسفر “سيدي نبيل” للحجاز، وإرسال “سيدي سليمان” لولده “سيدي يعقوب” للمدينة علاقة ببعضهما،وما فحوى رسالة “سيدي سليمان”،فأنا لا أنكر وقوع كرامة بين ذلك الرجل المدني و”سيدي يعقوب”، لكن لا يمكن أن يرسل “سيدي سليمان” ولده للمدينة فقط لمجرد إعلامه باستشهاده في طرابلس من ولي لله هناك، فلابد من وجود تفاصيل أخرى لم تصلنا.

– من قضى على حكم المهنويين في الحجاز هم آل الشريف، ومن هذه الأسرة الحاكمة سيدي عبد الرحمن المكي الذي هاجر من الحجاز الى زليتن لملازمة “سيدي عبد السلام الأسمر”، ورافقه في كل تفاصيل ومراحل بنائه لمشروعه الأسمري الدعوي،بل كان سفيره للأقطار الإسلامية،فالشيخ المكي يتحدث عن سفيراته العديدة المشرقية، سيما للحجاز، وفي كل رحلة يعود لزليتن ومعه المئات من “الشاغفين بمحبة الأسمر”، فهل من لهذه العلاقة استمرار للعلاقات والصلات القديمة.

– شخصية “سيدي سليمان” مركزية،بل ويمكن القول بأنه كان قائد مشروع لبناء كيان سياسي، ولا يبدو أن المشهد وقتها يتوفر على شخصية جامعة لشروط القيادة تحل محله، فأولاده كما وصفهم أخوهم يتهددهم خصومه، وهم عوامر بني هلال، وما دعاء ذلك الرجل في المدينة أن يجعل الخصوم “سبعة”، وأولاد سيدي سليمان “سبعمائة” إلا استشعارا لخطر إجهاض ذلك المشروع.

– وفعلا يبدو أن هذا ما حدث، فقد تفكك الحلف، فبني جامع تمكنوا من طرد ابن خزرون الذي كان يدين للعبيديين الشيعة بالطاعة، وطردوا روجر الثاني بعد أن تمكن من احتلالها في غزوه الثاني، وحرروا طرابلس واستقلوا بحكمها لفترة، كما تمكن العمائم من تشكيل كيان سياسي في شكل مشيخة، غرب طرابلس، غرفت بمشيخة بني سالم استمرت لفترة طويلة.

– تبدو محاولات استمرار مشروع “سيدي سليمان” استمرت من بعده، فنجد أحد أولاده، وهو “سيدي عبد الواحد” الذي اشتهر بالفروسية، رحل الى طرابلس، ثم أقام قريبا منها في ضيافة قبيلة الحواتم الترهونية، بعد أن تمكن لوحده من رد غزو بعض الأعراب على القبيلة في غياب شيخها.

– تحمل كتب التاريخ ملامح عن استمرار علاقة عقب “سيدي سليمان” بدعم مشاريع إقامة كيانات سياسية بالمنطقة، فاعتقادي أن إقامة “سيدي عبد السلام الأسمر” في قلعة سوف الجين، على علاقة بمشروع سياسي آخر كان يحمل اسم “مشيخة بني تليس”، وهي مشيخة ورثت مشيخة بنو سالم، وستزداد العلاقة وضوحا اذا ثبت أن المشيخة على علاقة بــ “سيدي أحمد أبوتليس”، أحد رجال الطريقة العروسية.

– كما أننا نجد علاقة تربط أحد أبرز رجال مشيخة بن تليس، وهو “علي بن تليس”، بعقب “سيدي سليمان”، فالروايات تشير إلى فيتوري على علاقة باتساع ملك “علي بن تليس”، ولا غرو فإن هذه العلاقة كانت بين الفيتوري وعلي بن تليس خارج زليتن، وبعد فترة نجد فيتوريا آخر جاهر بمعارضة جور “علي بن تليس” واجحافه في فرض الجبايات على الناس، ولم يكن ذلك الفيتوري إلا سيدي “علي قرفع”، الولي الشهير الذي يدل محل دفنه داخل روضة “أولاد سليمان” على مكانته وتميزه في محطيه ومجتمعه، ولا يزال المكان الذي كان علية بن تليس يجمع فيه جباياته من الشعير والحبوب، وحصل فيه شتاته، يعرف حتى اليوم بــ “القاعة” في مدينة زليتن.

*ختاما:

أقول للباحثين لا تنتظروا شيئا من تلك الجامعات المنتشرة في بلادنا، فقد بلغ عددها 100 جامعة (26 حكومية، و 74 خاصة)، فهي والسراب سواء، مدخلات ومخرجات، ولا تغتروا بانتساب بعضها لمدن البلاد، فهذه جامعة طرابلس وتلك بنغازي والأخرى سبها، وهلم جرا، بل والأدهى والأمر وما يترك في القلب حسرة أن بعضها تنسب نفسها لشيخ مشايخ الإسلام أستاذ البلاد وعمود سنام هويتها، وركن انتمائها الأصيل، دون أن يكون بينها وبينه شمة انتماء، فلا تخجل هذه الجامعة وهي تتسمى باسمه من أنها لم تقرر لو مادة ثقافية ضمن مقرراتها عمن سيرة من تنتسب له، ولا تخجل وهي تصدر 11 مجلة محكمة لم يكتب فيها ولا سطر عنه رضي الله عنه،بل على العكس نشرت بحوثا لوهابيين عن مشايخهم، فضلا أرفف مكتبها التي تعج بمئات بحوث التخرج ورسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه، دون أن تتوفر ولو على بحث واحد عنه رضوان الله عليه.

– أقول لا تنتظروا منها منهم شيء، فهم عالة على ما يجدونه جاهزا، يسودون به صفحات بائسة لا هدف من ورائها سوى الترقيات الجامعية المزورة، أما التنقيب عن مصادر وطنية تنبع معلوماتها من وجدان هذا الليبي فليس هذا شأنهم، لأنها ببساطة تحتاج كد وتبع وتفكير وتنقيب وتفتيش ومقارنات وو إلخ، علاوة على عدم امتلاكهم للأدوات، وأكثر من ذلك فقدانهم للانتماء، بل والهوية التي يدعون بحثها، ويقسمونها الى هويتين، ففاقد الشيء لا يعطيه.

– سيدي سليمان”، ومعه أعلام ليبيا ممن هم في طبقته مسؤولية ووعيا بأهمية ترسيخ وتعزيز الانتماء، هم المكان والزمان والانسان، وهم من بنى وحدة ليبيا التي انصهرت فيها أصولها الثلاث وضمنت لها وحدتها في غير عزلة عن مجتمعهم، بل انصهار تام فيه ومن أجله.


كتبه / أسامة بن هامل
رئيس مركز العلامة الليبي د. أحمد القطعاني للثقافة والدراسات الصوفية
17 سبتمبر 2022م 

عرض أقل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى