الحكومة السعودية والفكر الوهابي

عند قيام الدولة السعودية عام 1932 استفادت الحكومة الجديدة كثيرا من الفكر الوهابي لمواجهة تحديات سعودية سياسية, اجتماعية ودينية غير منسجمة. ومن ذلك اليوم الى يومنا هذا, كانت احدى محاور عمل الوهابيين وعلماء هذا الفكر, هو اضفاء مشروعية دينية للقوانين السعودية وقدراتها.

دائما ما اعطى علماء الوهابية الضوء الاخضر للقرارات السعودية الرسمية لغرض اعطاء مشروعية ومصداقية للمواقف والقرارات السياسية والاحكام الدينية لهذا الكيان. لذلك فإن النفوذ الوهابي اكبر واوسع من دوره الرسمي كمؤسسة دينية في المملكة السعودية. وايضا على صعيد السياسة الخارجية خاصة في السنين الاخيرة كانت الايدلوجية الوهابية اكثر تأثيرا من عامل العروبة, هذه الايدلوجية التي كما يظنونها انها عامل ذات طابع انتمائي قوي لذلك كان لها الدور الاكبر على النخبة السياسية للأخذ بالتعامل والاسلوب بهذه الطريقة مع البيئة الخارجية.

وبسبب هذا الأمر قام السعوديون بافتتاح المراكز التعليمية والدينية بهدف تطبيق الشريعة الاسلامية حسب تفسيرهم وفهمهم (الفكر الوهابي) وترويج هذا الفكر في الدول والممالك الاسلامية. هذه الاستراتيجية الايدلوجية تجعل آل سعود قادرين على منع بقية الدول الاسلامية من ان يكونوا محورا للأمة الاسلامية وفي الوقت ذاته ستقضي على كل وسائل تشكيل جبهة مقاومة دينية ضد الغرب (وخاصة امريكا). ومن هذا المنطلق وبالنظر الى اعتبار الوهابية احد اهم البُنى الاساسية لسياسة السعودية الخارجية, فان سياستهم هذه تتبع اصول واهداف خاصة واهمها: قيادة العالم الاسلامي سياسياً وتحديداً العالم العربي, توحيد الدول العربية وكسب دعمهم لمصالح السعودية, تبليغ ونشر المذهب الوهابي والدعوة اليه والعمل على منع انتشار الثورة الاسلامية في الدول الاسلامية وايضا الحفاظ على الوضع الراهن للمنطقة. السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة حاليا هو ما الانجازات والنجاحات التي عادت على السعودية بالفائدة؟ في جواب هذا السؤال نشير الى اهم ما حققته الوهابية للسياسة الخارجية السعودية.

1- استغلال التيارات التكفيرية التي ضربت العالم الاسلامي.

لا شك لدى الخبراء المختصين بشؤون دول غرب اسيا ان المملكة العربية السعودية تسعى وبشدة الى حفظ مصالحها وتحقيق غاياتها السياسية من خلال الدعم المالي والمعنوي للتيارات الارهابية التكفيرية والوهابية. كمثال على ذلك, فيما يخص دعم السعودية لحركة طالبان يجب القول : “في زمن رئاسة ضياء الحق للحكومة الباكستانية, وصلت التبليغات المذهبية السعودية لنشر الفكر الوهابي الى اقصى حد وادت هذه الفعاليات في باكستان الى تشكيل جماعات متطرفة كثرة فيما بعد. تبذل المملكة العربية السعودية جهود مضينة لتحقيق اهدافها في المنطقة وذلك عبر تقديم دعم مباشر وغير مباشر للمجاميع المسلحة الباكستانية. ايضا اثناء عمليات التحرير التي كان يخضوها المقاتلين العراقيين في بعض المدن من سيطرة تنظيم داعش الارهابي, تم اكتشاف سيارات وعجلات تحمل لوحات المملكة العربية السعودية استخدمها تنظيم داعش لتنفيذ عمليات ارهابية.

طبعا ان كشف مثل هذه الوثائق اصبح موضوعا عادي والى الان تمكنت القوات العسكرية للجيش واللجان والحشود الشعبية من اكتشاف مواد غذائية, اسلحة,  مُعدات عسكرية, سيارات وعجلات وغيرها,  وعليها اثار تتعلق بنظام ال سعود وتُثبت تورطهم في دعم واسناد هذه المجاميع الارهابية.

2-محاربة الشيعة ومضايقة قادتها:

مع تكفير الشيعة من قبل الوهابيين والسلفيين المدعومين سعوديا, تُعتبر هذه المجاميع من اخطر وأهم العوامل التي تهدد الشيعة في العالم الاسلامي. “الشيخ بن باز” المفتي الأسبق للمملكة السعودية يعتقد ان التشيع: “دين مختلف ومنفصل عن الاسلام ومثلما لا يمكن تصالح اهل السنة مع اليهود والمسيحيين وعبدة الاصنام, فلا يمكن ايضا تسوية ومصالحة اهل السنة مع الشيعة او الروافض”. ويرى العديد من علماء الوهابية ومشايخهم جواز استخدام العنف ضد الشيعة لغرض اجبارهم على ترك عقائدهم وقمعهم وتهجيرهم وقتلهم.

مما يثير الجدل في العقيدة الوهابية هو دعمهم لإضعاف زعماء التشيع الدينيين وقتلهم إذ يُعتبر ذلك عند هذه الجماعة الضالة من الاركان الاساسية لفكرهم. كمثال على هذا الشئ, اعتقال العالم السعودي الشيعي الشيخ “نمر باقر النمر” في احتجاجات الشيعة في السعودية عام 2012 وتطورت الاحداث بعد ذلك حيث اعلنت المحكمة الجنائية السعودية بتاريخ 15 اكتوبر 2014 عن اصدارها حكم الاعدام بالسيف بحق الشيخ نمر وصلبه في مكان عام وذلك بتهمة التعرض على الامن القومي.

في تقرير لمجلة “اكومونيست” تطرقت فيه الى الأبعاد المختلفة لإعتقال الشيخ نمر النمر وذكرت ان هذا الشيخ السعودي ينتظر حكم الاعدام بسبب مواقفه في الدفاع عن حقوق الشيعة واحتجاجه على قمع اهل السنة. كان الشيخ نمر يوجّه خطاباته الى السنة ايضا وكان يصّر على ان هذه الاغلبية الدينية هي الاخرى مُعرضة لقمع اجهزة آل سعود. كان النمر يؤكد لأتباعه دائما على ضرورة إبقاء الاحتجاجات سلمية وعدم لجوءها الى العنف. من التصرفات والسلوكيات المشابهة لهذا العمل هو ما يجري مع الشيخ عيسى قاسم في البحرين ومع الشيخ ابراهيم زكزاكي زعيم الحركة الاسلامية الشيعية في نيجيريا. ويُقيّم الان العديد من المحللين ظاهرة قمع وقتل القادة الشيعة بحماية آل سعود المباشرة واستراتيجياتهم في السياسة الخارجية.

3-كسب ثقة امريكا من خلال الحفاظ على الاوضاع الراهنة:

يستند الكيان السياسي السعودي على الاصول الوهابية من الناحية النظرية والعملية لذلك يرى هذا الكيان ان الحفاظ على الاستقرار الاقلميمي يجري بإتجاه استقرارهم الداخلي. لذلك الى الوقت الذي تبقى السياسة الخارجية في المملكة العربية السعودية مبنية على تعاليم و مبادئ وهابية, يجب ان ننتظر من الرياض اتّباع سياسة اقلية دينية على المستوى الاقليمي. هذا الموضوع كان سببا لأن تقوم السياسة الخارجية للبلاد على اساس نوع من المحافظة. ومن هذه الجهة فإن الصورة التي يمكن رسمها عن السياسة الخارجية السعودية القائمة على اساس الهوية الوهابية, هي استكمال سياستهم المستندة على الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة وان كان متأزما وايضا الوقوف بالضد من محور المقاومة الاسلامية (استمرار تواجد وتدخل الدول الغربية في الشأن السياسي والاجتماعي للعالم الاسلامي) بكونه لن يبقي معادلة المنطقة على وضعها. هذه الاستراتيجية لسياستهم الخارجية تنطبق تماما مع استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الدول الاسلامية. لذلك بإمكان امريكا تعزيز او تضعيف السلوك الطائفي السعودي الى اقصى حد ممكن. وعلى هذا الضوء تُعتبر الايدلوجية الوهابية بمثابة عامل مساند للسياسات والسلوكيات الرجعية, وايضا ضمن محاربتها للدول المستقلة, فهي تسعى لكسب ثقة امريكا.


موقع: ليبيا المختار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى