صراع الفدائيين (الفدائيون الليبيون في حرب فلسطين)

أهل البيت في ليبيا 

صراع الفدائيين..كتاب يروي قصص مذهلة لفدائيين من ليبيا قاتلوا على أرض فلسطين، حيث يروي قادة الجيوش المصرية والأردنية كيف أن فدائيين من ليبيا كانوا يقتحمون المستعمرات والمعسكرات الصهيونية ويحولونها إلى رماد في أقل من دقائق. 

وقع بين يدي هذا الأسبوع كتاب قلب موازين الفكر والذاكرة والكتابة،وفتح الجرح المتداوي بالأمل في عيادة الصبر عند طبيب النصر، عنوان الكتاب “صراع الفدائيين .. الفدائيون الليبيون في حرب فلسطين 1948 ” ووجدت الطبعة الأولى في ديسمبر 1968، وأما الكاتب فكان “محمد حسن عريبي: وهو فدائي جاء من ليبيا ليجاهد في فلسطين ويروي في الكتاب رحلته ويومياته وذكرياته وأيامه ولياليه التي قضاها وهو يسير بين الساحل والصحراء ليصل إلى فلسطين، ويبدأ كتابه بمقدمة جامعة مانعة يتحدث فيها عن عدد الشهداء الليبيين الذين سقطوا على أرض فلسطين ، ويتحدث عن معسكرات “مرسى مطروح” ويقول في كتابه بأن عدد الفدائيين الليبيين كان أكبر وأكثر من عدد بعض الجيوش العربية وأنه لو لم يحل محافظ مرسى مطروح بين الليبيين والميدان لكان عددهم مثل أكبر جيش في الميدان.” . 

هذا ما نشره المدون الفلسطيني، ثابت العمور، في مدونته: الصالون الثقافي : (يلا بنا نقرأ) وهو يعترف بتفاجئه، بعد 63 سنة،من حجم مشاركة المتطوعين الليبيين في حرب الـ 48 ضد العصابات الإسرائيلية،تلك المشاركة التي مثلها مثل مشاركة الكثير من المتطوعين العرب تم التعتيم عليها بشكل ملحوظ،بل حتى المناهج الدراسية كانت خالية منها،وقد دفع المتطوعون لمساعدة أخوانهم الفلسطينيين ثمن الصراع بين الملوك والساسة في المنطقة الذي انعكس على الجيوش الرسمية ما أدى إلى خسارة تلك الحرب، والعلاقة التاريخية بين قادة الجيوش والساسة في المنطقة العربية مبحث هام يجيب عن سؤال يتعلق بفشل تلك الجيوش عن تحقيق نصر على المغتصبين الصهاينة منذ 1948،ويمكن اسبب في التعامل مع القضية الفلسطينية كورقة سياسية يستخدمها الحكام لإرساء شرعيتهم ودغدغة عواطف الناس. 

في كتابه:“مواقف من جهاد العرب الليبيين بفلسطين”. الصادر عن  دار إفريقيا للطباعة والنشر،يقول السنوسي محمد شلوف، أحد المتطوعين الليبيين : “كانت أولى المعارك مع الأعداء في تلك المناطق مع إحدى القوافل الإسرائيلية التي كثيرا ما يكون مرورها من وادي أبي سويرج الدانجور، وتم بالفعل الاستيلاء الكامل على إحدى تلك القوافل الإسرائيلية في معركة كانت سريعة وخاطفة وعنيفة تم فيها القضاء على اليهود قضاءاً تاما وهو أول انتصار يحققه الليبيون منذ وصولهم إلى فلسطين.”. ويضيف : “كان المجاهدون الذين قاموا بسحب تلك المصفحات والآليات الإسرائيلية من الوادي إلى عراق سويدان مقر الكتيبة الليبية هم : ادريس بوشناف العيساوي وفتحي طلوبه،وعلي البراني وعبد الفتاح بشون، ومحمد جعاكة، وعبد العزيز محمد،وعبد الله الشريف، ويوسف الطرابلسي، ومسعود السراوي،وجميعهم عرب ليبيون والبعض منهم لا يزال على قيد الحياة حتى ساعة كتابة هذه المذكرات،وكان هؤلاء يجيدون قيادة المصفحات من بين أفراد الكتيبة وعددهم أكثر أربعمائة مجاهد، فقد سحبوها بسرعة فائقة من ميدان المعركة إلى مقر الكتيبة بعراق سويدان،وقد اعتبر أفراد الكتيبة ذلك اليوم عيدا لأول نصر حققوه على الأعداء. 

هذا التاريخ المنسي،أو المُتناسَى بشكل منهجي، جعل الطريق إلى الجهاد المقدس ينحرف تماماً مع الزمن، ويذهب في كل اتجاه متجنبا أرض الجهاد الوحيدة في هذا الزمن؛ فلسطين. ينطلق الشباب المغسولة أدمغتهم غربا وشرقا دون حتى أن يلقوا نظرة على أخوانهم الذين يقتلهم الإسرائيليون يومياً بدعم من قوى كبرى ومن منظمة عجزت عن تطبيق أي قرار من قراراتها.

يتحول هؤلاء الشباب إلى مرتزقة في يد تلك القوى التي تفتك بالفلسطينيين فيخوضون حروبا تديرها مخابرات دولية تحت اسم الجهاد  ومنذ أن ذهبوا إلى محاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان بدعم لوجستي من المخابرات الأمريكية،أصبحوا لعبة في يد مهندسي الجهاد، ليعودوا بعد ذلك بفتوى أن الجهاد الأكبر في الأوطان الأصلية وضد أهلهم المرتدين،ولتصبح إسرائيل الدولة الوحيدة الآمنة في المنطقة،وشعبها المزعوم الشعب الوحيد الآمن بعد أن تحول ما يسمى بالجهاد إلى الداخل. 

ولعل هذا جزء من إجابة التساؤلات التي أيقظها هذا الكتاب في ذهن قارئه،العمور:” أين موقع فلسطين اليوم من الإعراب العربي ومن الاهتمام الشعبي والرسمي؟ بل أين ليبيا التي تذبح في سلم الأولويات العربية لا بل الفلسطينية ؟.

كان الهدف من كل الفتاوى التي تحث على جهاد الأقربين أن يرتد الإرهاب على نفسه تحت مقولة: دوني بالتي هي الداء وأن نبدأ تدريجيا في نسيان قضيتنا المركزية، فلسطين،التي تحولت أخبارها إلى آخر الأخبار على شريط أسفل الشاشة منذ 2011 ، لتصبح معاركنا الطاحنة وعملياتنا الانتحارية التي يقتل فيها بعضنا البعض هي الخبر الأول والخبر العاجل في فضائيات العالم  والفلسطينيون يموتون في صمت وفي عتمة، وهذا ما خططت له دوائر إدارة هندسة الميديا الضخمة المسيطر عليها من اللوبي الصهيوني والتي فتحت لها فروعا باللغة العربية في عواصمنا،فكان لابد لما يحدث في فلسطين أن يتراجع إلى الخلف في الأخبار وفي الوجدان.  

ويتساءل المدون ثابت العمور مرة أخرى،بعد أن قرأ عن أولئك الشبان الليبيين الذين مشوا على أقدامهم لنجدة فلسطين:“ما الذي دفع محمد عريبي للقدوم إلى فلسطين مشياً على قدميه تاركا مدرسته وهو الوحيد لوالديه؟ وهل نفس الأسباب والدوافع لا زالت موجودة عند جيل اليوم ؟ ما الذي تغير وما الذي تبدل وما الذي تحول ؟ أيفكر أحد اليوم من شبابنا في الذهاب إلى ليبيا لنصرتها والذود عنها والوقوف مع أهلها في محنتهم ؟”.

نعم مازالت نفس الدوافع قائمة،لكن البوصلة هي التي تغيرت وتبدلت،وهي لم تتغير صدقة لكن نتيجة عمل كبير ومثابر طيلة عقود سعى لأن تخرج، إسرائيل من خارطة الجهاد العالمي،وأن تنشغل هذه الطاقة الشبابية بالداخل وتعمل على إلهاء هذه الدول عن قضيتها الأساسية وعلى تدمير الجيوش المحيطة بهذا الكيان وهذا ما حصل في النهاية إذ لا نرى مجاهدا واحدا أو شيخا من شيوخ الجهاد يتحدث عن فلسطين، بل أن الحركات الإسلامية التي تقتل الجنود السوريين، نيابة عن الصهاينة، تعطي بظهرها إلى الجولان وفلسطين، وبعضها يعالج جرحاهم في مستشفيات إسرائيل. 

كتب المدون هذا العرض للكتاب بحرقة بعد انطلاق انتفاضة فبراير في ليبيا بشهر، ويتساءل  عن إمكانية الوقوف مع الليبيين في محنتهم كرد للجميل، تلك المحنة التي ربطها بشراسة العقيد في قمع المتظاهرين، لكن محنة ليبيا تضاعفت بعد سقوط هذا النظام لأن بوصلة الجهاد أصبحت تشير إلى قتل الليبيين هذه المرة،وأن الجهاد أصبح فرض عين في ليبيا بعد أن تخلصت من دكتاتورها، بل أن أحد شيوخهم لمريديه ما مفاده: أنتم جيل محظوظ ولن تحتاجوا إلى التغرب أو السفر البعيد للجهاد لأن الجهاد أصبح في وطنكم.وهذا العمي ناتج كما قلت عن برنامج مركز وطويل لغسل الأدمغة حتى يصبح كيدنا في نحرنا وتعيش إسرائيل المغتصبة في أمان ورفاه. 

ويختم المدون الفلسطيني الذي تعرف عن جهاد الليبيين في فلسطين بعد 63عاما معبرا عن أحاسيسه تجاه ليبيا ما بعد 2011 قائلاً: “ليبيا التي نعرفها ونريدها هي ليبيا عمر المختار وأحفاده وليبيا العريبي وأبنائه، ليبيا التي تأتي عابرة الصحراء لتصل إلى فلسطين .. واليوم ما أشبه ليبيا بفلسطين !!”.

حقا،ما أشبه اليوم ليبيا بفلسطين ، حيث النازحين أكثر من المقيمين وحيث المنظمات الإنسانية العالمية تقدم المساعدات، وحيث القتل يوميا، وحيث الهجرة إلى أصقاع الدنيا. والفارق أن ما يحدث في فلسطين نضال مقدس،وما يحدث في ليبيا عبث وإجرام تحت راية تحملها تلك الجماعات الإسلامية (الأخوان والمقاتلة) التي صُنعت في مقرات الاستخبارات العالمية وتسميها راية الجهاد بعد أن انحرفت بوصلة النضال أو الجهاد لتتحاشى مدللة القوى الكبرى إسرائيل. 


تقرير:سالم العوكلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى