الصراع داخل تيار الإسلام السياسي

أهل البيت في ليبيا

من الأمور التي اعتدنا عليها في الإعلام وضع تيار الإسلام السياسي في بوتقة واحدة، وإدراجهم ضمن مشروع واحد، وهذا الأمر يأتي في سياق الحرب المسترة وحملة التشويه لهذا التيار، وتقديمه على أنه الخطر الأكبر والداهم على الحياة السياسية والإستقرار في ليبيا.

إنّ تيار الإسلام السياسي في ليبيا يشمل توجهات مختلفة وفي أحيان كثيرة متصارعة، تتنازع حصريّة تمثيل المرجعية الإسلامية في العمل السياسي، وسنحاول تسليط الضوء على هذا الاختلاف داخل هذا التيار ومآله ضمن تطورات المشهد السياسي، لعلنا نجد إجابات لما يعتقده البعض تناقضاً داخل هذا التيار أو ممارسةً للتقيّة السياسية، أو لعباً لأدوار سياسية متفق عليها مسبقاً كما يحبّ أن يحلل ويروج أصحاب الخيال السياسي.

بداية يجب أن نشير إلى أمر مهمّ، وهو أننا نقصد بتيار الإسلام السياسي القوة المجتمعية التي تمارس الشأن العام وتتناول قضاياه من خلال الممارسة السياسية المباشرة أو من خلال الوسائل الأخرى التي يأتي في مقدمتها الإعلام والحراك المدني، وبهذا الاعتبار فإن تيار الإسلام السياسي في ليبيا تمثله مدرستان:

الأولى جماعة الإخوان المسلمين.

الثانية السلفية الحركية.

وسنتكلم عن واقع حال كلٍّ منهما لتلمس الفوارق بينهما وتأثير كل واحدة سياسياً.

فجماعة الإخوان المسلمين تعتبر أقدم الحركات الإسلامية الحديثة ذات النشاط السياسي وجوداً في ليبيا، فقد بدأ ظهورهم منذ عهد المملكة وإن كان محدوداً، ثم اختفوا بعد انقلاب سبتمبر وعادوا النشاط في عقد الثمانينات وبداية التسعينات بشكل سرّي، كما نشط أفراد منهم في الخارج، ثم شاركوا بشكل علني ضمن المحاولة الإصلاحية لسيف القذافي التي أطلق عليها مشروع ليبيا الغد، كما نشطت الجماعة بعد ثورة فبراير وأسست مع آخرين حزب العدالة والبناء ذو المرجعية الإسلامية، ومن أبرز ما يلحظ على الجماعة دورها الدعوي شبه المنعدم لولا النشاط الفردي لبعض المنتمين لها، كذلك افتقارها لقيادة فكرية قادرة على تقديم رؤية واضحة وواقعية تؤصّل لآلية التعامل مع الحالة الليبية،وهذا الأمر جعل كثيراً من أعضائها ينقادون لمرجعية من خارج الجماعة تمثلت في شخص المفتي فضيلة الشيخ الصادق الغرياني،والذي يخالف توجهه السياسي توجه حزب العدالة والبناء مما جعل العلاقة بين الحزب والجماعة مضطربة وفي حالة توتر.

وقد انعكس هذا سلباً على أداء الحزب،وسبّب داخله تصدعات كبيرة كادت أن تقذف به خارج المشهد السياسي، وبإصرار قيادة الحزب في المضي قدماً مع خيار الحوار الذي نتج عنه اتفاق الصخيرات حدث انفكاك ضمني بين الحزب والجماعة، ولقد استطاع الحزب من خلال مغامرته السياسية هذه واستثماره الجيد لمكاسبه السياسية الضئيلة المتمثلة في كتلته في المؤتمر الوطني أولاً ثم المجلس الأعلى للدولة ثانياً،أن يبقى فاعلاً في المشهد السياسي، وقد نجح في حصاد ثمار ذلك بأن تولى أخيراً أحد أعضائه رئاسة المجلس.

ونأيُ الحزب عن الجماعة أمر فرضته الضرورة السياسية لعدة اعتبارات من أهمها:

أن الجماعة والحملة الدعائية الدولية ضدها أصبحت تمثّل كَلًّا وحملاً ثقيلا يرهق الحزب، خاصة وأن الجماعة عاجزة عن بناء قاعدة جماهيرية توفر الزخم لمواقف الحزب، بل على العكس هناك من أعضائها من يحشّد ضد مواقف الحزب.

وكذلك عجز الجماعة عن صياغة رؤية واقعية وواضحة لمفهوم المرجعية الإسلامية يسترشد بها الحزب في ممارسته السياسية، ويبدو أن التطورات الأخيرة في خطاب الحزب قد يعقبها تصريح بالانفكاك التام عن الجماعة هذا فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين وواقع علاقتها بحزب العدالة والبناء،

أما يخص السلفية الحركية، فنقصد بها الفاعلين والمهتمين بالشأن العام من المنتمين للفكر السلفي “الوهابي”، والمؤمنين بالممارسة السياسية وفق آليات الانتخاب والتداول على السلطة من خلال نظام دستوري.

والسلفية الحركية دخلت العمل السياسي والدعوي من بوابة مشروع ليبيا الغد، وهي اليوم تمثل بقايا من أفراد الجماعة الليبية المقاتلة، وشخصيات أخرى تنتمي للفكر السلفي وتوافق التوجه السياسي لدار الإفتاء، والسمة الأبرز للسلفية الحركية ممارستها للعمل السياسي من خلال الوسائل الدعوية غالباً، واعتمادها على خطاب ثوري تصعيدي، وتقديمها لتصورها السياسي في إطار الرأي الشرعي المحكم، وليس في إطار اجتهاد لتقدير المصلحة، وقد أكسبها استخدامها للوسائل الدعوية وسيطرتها على منبر الإفتاء زخماً لا بأس به، وهي اليوم تدعي حصرية تمثيلها للمرجعية الإسلامية في ظل تراجع الخطاب الدعوي لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن اكتفاءها بالخطاب الدعوي وبُعدها عن الواقعية السياسية، وعدم إدراكها لحدود الإمكان السياسي جعلها على هامش الميدان السياسي، وخطابها الدعوي جعلها في صراع مباشر مع السلفية المدخلية التي تخدم بخطابها  المشروع العسكري “الكرامة”.

والحقيقة المُرّة التي يجب أن يعترف بها المنتمون لتيار الإسلام السياسي باختلاف توجهاتهم، غياب إطار حقيقي وواقعي لمفهوم المرجعية الإسلامية يمكن من خلاله المساهمة في حل الأزمة الليبية، وهو ما دفع حزباً ذا مرجعية إسلامية كالعدالة والبناء ليبقى فاعلاً أن يتعامل بواقعية مع متغيرات المشهد السياسي، ويحافظ على خط سياسي واضح وقد نجح من خلال ذلك بأن يكون رقماً هاماًّ في المعادلة السياسية لا يمكن إلغاؤه أو إقصاؤه، وأن يصبح عامل توازن يفرض وجودُه حتمية الحلّ السياسي للأزمة.


علي أبو زيد

كاتب ليبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى