مرجعيات إسلامية: دعاء بلا عمل، بضاعة مزجاة

أهل البيت في ليبيا 

الدعاء له أهمية يقول الله تعالى “أدعوني أستجب لكم” ولكن ليس على المطلق، فللمؤمنين والرسل والمظلومين دعاء وللظلمة والفجار دعاء وللكسالى والفاسدين دعاء وحتى الكفار لهم دعاء، ولكن من الثابث أن الدعاء المستجاب هو الدعاء الواضح الصريح والضروري جداً، وهو بتعبير الأحاديث النبوية دعاء المضطر، دعاء المظلوم، دعاء من لا حيلة له، وبالتأكيد دعاء من أنار الله طريقه وأتبع الوسيلة فتحقق المقصود، وفي هذه الحالات إستجماع للقوى البشرية الخلاقة لوضع حل يكلل بتوفيق الله من خلال نواميسه التابثة.

منذ الخليقة الأولى والإنسان يبحث عن وسائل لتحقيق إهدافه بلا عناء ولا تعب،وهي طبيعة إنسانية متأصلة، ويخرج من هذا الطوق القلة التي وعت أن التوفيق في الحياة يحتاج إلى جهد. قبل وجود الأديان السماوية وإلى يومنا هذا أستعمل السحر والتنجيمم لجلب المصالح ودرء المفاسد، ولكن ذلك في معظمه لا يعبر عن مسيرة الحياة الطبيعية.

ربما إبن القيم أول من وضع مصنف في تحقيق الأهداف سمي كتاب صيد الفوائد، وذكر عدة شروط للتوفيق بنظرة دينية صرفة وأوجز أن مفتاح التوفيق الدعاء.

في الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى يعطي للجميع؛ للمسلم وللكافر، بل أن ما عند غير المسلمين من التمكين في الأرض أكبر بكثير مما عند المسلمين وهم الأضعف، والأقل علما ومعرفة والأكثر فقرا وتخلفا بين الشعوب، فلماذا ذلك؟. أكبر مثال لعدم التوفيق في الدعاء هو تحرير الأراضي المقدسة، فخلال سبعة عقود علت حناجر المسلمين بالدعاء لتحرير فلسطين وتدمير إسرائيل، ولكن لم يتحقق ذلك، وتزدهر إسرائيل كل يوم، في حين دمرت دول ومدن إسلامية كثيرة منذ ذلك الزمن آخرها سوريا واليمن ومدن الصومال العراق وبنغازي.

نعم توفيق الله للعباد وللأمم يحدث لحكمة ونواميس نعلم بعضها وتغيب عنا الكثير وهذا يوكد أن للتوفيق وتحقيق أهداف الأشخاص والأمم ليس بالدعاء فقط،أي أن الدعاء يحتاج إلى شروط أخرى.

من المصادر العربية لهذا الموضوع كتاب “الطاقة الإنسانية” للأستاذ أحمد حسين الذي قال عنه عملاق الفكر العربي في القرن العشرين/ عباس محمود العقاد إنه أفضل ما كتب في القرن العشرين، هذا الكتاب يلخص تحقيق الأهداف في معادلة رياضية بسيطة: تحقق الهدف = وضوح الهدف x درجة ضرورته. أي أن كلما كان الهدف واضحا وضروري جدا، يجد الفرد أو الأمة طاقة دافعة لتحقيقه، والوضوح يعني وضع الخطط التي توضح الوسائل، والضرورة تعني اللجو إلى العمل وإتباع الوسائل ضمن توقيت زمني محدد، وهو ما يمكن أن يفسر عدم تحرير فلسطين، وتخبط المسلمين بين فكر طغاة القومجية والسلاطين، وفكرالقاعدة وداعش لعدم وضوح الأهداف والوسائل، بالمقابل علوا شان الغرب وتقدمهم.

حديثا هناك العديد من كتب وبرامج التنمية البشرية التي تدعم هذا الإتجاه أخذة بقواعد وقوانين الإدارة متل التخطيط والتنفيذ والتوجيه والمراقبة، إضافة إلى العلاقات الإنسانية والقيادة، ومن أكثر المدبين شهرة الفقيد إبراهيم الفقي.

هذه القوانين الإلهية (وإن كانت غربية في مظهرها) فهي التي وضعها الله وجعلها نبراسا لعمارة الدنيا والأخرة سوى كان للفرد أو الأسرة أو لمشروع صغير أو لنهضة أمة، جميعها تحتاج إلى أهداف واضحة ووسائل يجب إتباعها بدقة لأجل تحققها، والضرورة تحدد الزمن، فكلما كان الأمر ضروريا كان التحقيق والتوفيق سريعا.

التخبط الذي يقع فيه الكثير من الناس هو التواكل أي محاولة الوصول للأشياء دون ألأخذ بالأسباب والوسائل بدعوى أن الله هو الرزاق وأنه المعطي، وأنه الراعي للبشر والإكتفاء بالدعاء لن يحقق شئ، فلتدريب النفس على العمل والجد جعل الله سلعته غالية، فلن تنال رضى الله والمغفرة ودخول الجنة إلا بأداء الأركان الخمسة للإسلام وإتباع ما فرضه وإجتناب ما نهى عنه، والتحلى بالخلق الحسن والسيرة الجيدة وان تكون نافع للناس.

أما التسويق بأن من قرأ { قل هو الله أحد } حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة، ومن قال: لا إله إلا الله صدقًا من قلبه دخل الجنة، ومن رأى الرسول: من رآني حرمت عليه النار (حديث ضعيف)، “من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم عليه النار وأخيرا إذا سبق شخص بإخبار شخص آخر بالشهر المبارك حرمت عليه النار، هذه الأحاديث بعضها ضعيف والبعض الأخر للترغيب بالشئ، ولا سند لها بأيات قرآنية.

ما يلاحظ كذلك أن الدعاء بضاعة لا جهد فيها فهي لا تعدوا عن ترديد كلمات، وهذه مبررة لمن لا يقدر على شئ مثل من سلب نعمة الصحة ولم يببقي من جسمه سوى ترديد الأدعية، أما من أُتي علم ومال وولد وبسطة في الجسم، فكيف تكون بضاعته الدعاء؟ والله لا يقبل البضاعة الرخيصة (كما حدث مع ابناء أدم)، إدن يتطلب من صاحب العلم أن يجود بعلمه، وصاحب القوة الجسمية أن يجود بقوته، ومن له مال أن يجود بماله، ومن له سلطان أن يجود بسلطانه وهكذا تستقيم الحياة بتوزيع الخير والمعروف بين الناس، وخيركم أحسنكم للناس،وهكذا ترتقي الأفراد والأمم، أما الله فهو غني عن العالمين، وعبادته أن نكون عبادٌ شاكرين له على نعمائه.

ما نراه أن يلجاء الغني إلى ترديد اذكار الصباح والمساء ويبخل على الفقراء والمحتاجين (وهم عيال الله)، ويستحوذ السارق الفاسد على مقدرات الأمة ثم يتصدر الصفوف الأولى للصلاة ولا يتوقف عن الدعاء، ويجعل العالم ما أتاه الله قراطيس يتاجر بها أو يزين بعلمه جور الملوك والسلاطين والطغاة أو يتهاون في عمله وهو ركيزة الأمة ويدمن على إرسال قصاصات الدعاء، فذلك كله من علامات الإنحطاط الفكرى للأمة ومظاهر السبات العميق. وتقويم تلك المفاهيم يحتاج إلى فكر مستننير بعيدا عن النقل المبرمج من مصادر مصممة لتغفيل الجموع، وهو ما حدث خلال الثلاثين سنة الماضية.


بقلم: د. عيسى مسعود بغني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى