السلفية لم يعودوا هادئين

في 28 أغسطس من عام 2017م، دخل مقاتل ليبي إلى مسجد قرطبة في سرت، المحرر مؤخرا من قبضة داعش ، وأذن للصلاة وكانت وحدة الشاب، المجهزة تجهيزا جيدا والمعروفة باسم كتيبة المشاة 604، تختلف عن المئات من الجماعات المسلحة المرتبطة بشكل فضفاض بمجلس الرئاسة الذي مقره في طرابلس والذي فرض حصارا لأشهر ضد معقل داعش في البحر المتوسط وصول الكتيبة في ذلك اليوم إلى مسجد قرطبة ذي الجدران البيضاء يكتسي أهمية فريدة وعاطفية لأفرادها.

في مستهل عام 2015م، انتقد إمام قرطبة، وهو رجل دين سلفي شعبي يدعى (خالد بن رجب الفرجاني) انتقد داعش علنا ورفض السماح لهم باستخدام مسجده للخطبة في ذلك الصيف، اغتالته داعش، مما أدى إلى اندلاع انتفاضة مسلحة قام بها سكان الضاحية ثلاثة من سرت ، ومعظمهم من أبناء قبيلة الفرجان لكن الانتفاضة فشلت بعد أن أرسلت داعش العربات المدرعة إلى الشوارع واستخدمت الأسلحة الثقيلة لإخمادها، وأعدمت العشرات من الفرجان في باحة مسجد قرطبة، وصلبت آخرين على السقالات الفولاذية في دوار الزعفران سيء الذكر الآن. وأعادت داعش تسمية مسجد قرطبة بجامع أبو مصعب الزرقاوي.

في الأشهر التالية، هرب بعض مقاتلي الفرجان من سرت إلى طرابلس، حيث أنشأ شقيق الإمام المغتال كتيبة المشاة 604 وبدعم من القادة السلفيين الأقوياء في طرابلس، لا سيما عبد الرؤوف كارة وقوة الردع التابعة له المتمركزة في مطار معتيقة ، وكتيبة باب تاجوراء المجاورة، بدأت الكتيبة 604 التدريب العسكري في معسكر عين زارة ومحمية طبيعية ساحلية. وبحلول نهاية عام 2015 كان عدد أعضائها قد نما إلى أكثر من 450 عضوا.

ثم في شهر مايو من هذا العام، حصلت كتيبة المشاة 604 على فرصتها للانتقام. لقد انضمت إلى ائتلاف واسع من الجماعات المسلحة يدعى البنيان المرصوص، في الهجوم على سرت وعلى خلاف الوحدات المسلحة الأخرى القادمة في المقام الأول من مصراتة، تضم كتيبة المشاة 604 أيضا مقاتلين من سرت وبني وليد وطرابلس والزنتان، وزليتن، وسبها.

ولكن الأهم من ذلك، هذه الكتيبة هي حصريا تقريبا سلفية وهي جزء من اتجاه وطني أوسع من بين من يسمون السلفيين “الأهدأ” الذين هم الآن نشطون على نحو متزايد في القتال ضد داعش، ولكن أيضا ضد فصائل إسلامية متناحرة.

عقيدة الطاعة:

بعد سقوط القذافي، قام أتباع المدخلي في ليبيا، والمعروفون باسم المداخلة (على الرغم من أنهم يرفضون المصطلح) بهدم تراث الصوفية في ليبيا وحرق أدبيات الإخوان المسلمين كما شكلوا دوريات ضد الرذيلة التي ركزت على مكافحة تهريب المخدرات، واستهلاك الكحول، وغيرها من الأنشطة التي تعتبر غير إسلامية، وتجسد ذلك بشكل بارز في قوة الردع الخاصة لكارة والجماعات المرتبطة بها ومع اندلاع الصراع بين تياري الكرامة والفجر في صيف 2014، انضمت جماعات المداخلة المسلحة للفصائل المتحاربة واليوم، مازالت تواصل القتال إلى جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر في الشرق، وأيضا مع كوكبة من الجماعات المسلحة المتحالفة مع مجلس الرئاسة في طرابلس.

لكن مقابلات في طرابلس ومصراتة وسرت وبنغازي، والبيضاء من أواخر 2015 إلى منتصف 2016 تكشف عن القلق العميق بين حلفاء المداخلة في كل من الشرق والغرب، سواء من ضباط الجيش الوطني الليبي أو القادة الميدانيين في مصراتة (سواء بالزي الرسمي أو المدني)، و وزارة الداخلية من الجانبين، بشأن القوة المتنامية لهذا التيار وأهدافه الخفية وهو اشتباه يجد أسبابه في تقارير عن تمويل من السعودية والخليج، ولكن أيضا في التصريحات العلنية للمدخلي بشأن ليبيا، والتي هي متناقضة في بعض الأحيان ويعتبرها الكثيرون في ليبيا مسيئة وتدخلا لا مبرر له في الشؤون الداخلية للبلاد.

تموقع للتأثير في سرت:

في الغرب، يشعر بعض القادة المصراتيين في ائتلاف البنيان المرصوص بالقلق من منسوب الكراهية لدى كتيبة المشاة 604 تجاه الوحدات الأخرى ذات الميول الإسلامية التي تقاتل داعش في سرت، خاصة الجماعات المسلحة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين ولمفتى طرابلس ، الصادق الغرياني، الذي حث المدخلي مؤخرا أتباعه على مواجهته وهناك أيضا تساؤلات حول أهداف “المداخلة: في سرت بعد طرد داعش، ومراميه المفترضة للهيمنة على المؤسسات الدينية والأمنية.

“نحن لا نثق بهم” قال لي هذا الصيف ، ضابط شرطة من مصراتة في ائتلاف البنيان المرصوص. وأضاف “إنهم يحاولون التسلل إلى جهاز الشرطة في مدينة سرت تماما مثلما فعل أنصار الشريعة مع اللجان الأمنية”، مشيرا إلى التنظيم السلفي الجهادية الليبي الذي تم تصنيفه منظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

إلا أن جانبا من انعدام الثقة هذا ،ليس دينيا فقط، بل متجذر في الصراعات القبلية المعقدة في مدينة سرت، خاصة تخوف الأسر “السرتاوية” المنحدرة من مصراتة ، من سيطرة الفرجان والورفلة، اللتين يشغل أعضاؤهما السلفيون صفوف كتيبة المشاة 604 .وهذه الخصومات القبلية المحلية هي التي سمحت جزئيا لداعش بالصعود في سرت إلى المقام الأول، وأحبطت أي مقاومة متماسكة ضد الجماعة الإرهابية.

مصدر آخر للاحتكاك مع المداخلة يتمثل في موقفهم غير الواضح أو حتى الداعم لحفتر وحملته في شرق البلاد. “حفتر يقاتل داعش في الشرق، ونحن نقاتل هنا في الغرب،” قال لي مقاتل شاب من كتيبة المشاة 604 على الخطوط الأمامية في حي الدولار في مدينة سرت، بالقرب من مصنع قنابل لداعش، في يوليو.

إنها صرخة بعيدة عن شيطنة الجنرال السابق في نظام القذافي والتي يسمعها المرء عادة في دوائر مصراتة والإخوان المسلمين هذا فضلا عن انتماء أعضاء كتيبة 604، إلى ورفلة والفرجان، يثير همسات تصف المداخلة بأنهم خلايا نائمة لحفتر.

رأيت مقاتلين من كتيبة 604 يعملون بشكل وثيق مع جماعات مسلحة مصراتية قوية، وإن كانت أقل أيديولوجية، لتنسيق سير المعركة ضد داعش. لكن بصراحة، كثير من هؤلاء القادة المصراتيين يتساءلون عن الخطوة التالية في سرت بعد القتال ضد داعش، وعما إذا كانت هذه التوترات الكامنة ستتصاعد وكيف.

ارتفاع الضغط في طرابلس وبنغازي:

في العاصمة، أثبتت قوة الردع الخاصة التي يرأسها عبدالرؤوف كارة أنها حصن لدعم مجلس الرئاسة المحاصر لقد نجحت في كسر شبكات داعش داخل العاصمة، فضلا عن مساعدة مقاتلين سلفيين مشابهين في صبراتة. وفي الآونة الأخيرة، في سرت في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي.  

في مقره المترامي الأطراف في مطار معتيقة الدولي، يدير عبدالرؤوف كارة في السجن برنامجا لإعادة التكوين والتدريب بعد حصص القرآن في الصباح، يمارس السجناء ، وهم من مدمني المخدرات ، وتجار المخدرات، وعناصر داعش – مهن النجارة و إصلاح المعدات الكهربائية، ومحو الأمية المعلوماتية.

ولكن تأثير كارة في جميع أنحاء العاصمة محدود بسبب الجوار وصراع الفصائل (حتى داخل مطار معيتيقة نفسه) والاختلافات الأيديولوجية مع الجماعات الإسلامية الأخرى ويتجلى هذا بوضوح أكبر في مواجهاته مع المفتي، الصادق الغرياني قوات كارة اعتقلت لفترة وجيزة عضوا بارزا في دار الإفتاء من جماعة الغرياني بتهمة دعم داعش واحتجز كارة أيضا مقاتلين إسلاميين من بنغازي في طرابلس ( يدعمهم الغرياني) يقاتلون حفتر هذه الأعمال، جنبا إلى جنب مع موقف كارة المتسامح إزاء هيمنة حفتر في الشرق، أغضبت الفصائل الرافضة في طرابلس ومصراتة، وبنغازي. إجابة كارة، التي نُقلت لي في مارس، هي أنه أن المرء ملزم وفقا للعقيدة السلفية “بطاعة ولي الأمر في أي إقليم كان فيه”.

توترات مماثلة في الشرق حول مدى ولاء المداخلة ونواياهم:

في الفترة التي سبقت عملية الكرامة بقيادة حفتر، أزالت أجهزة الاستخبارات في الشرق السلفيين من قوائم المراقبة التي كانت موضوعة في عهد القذافي، وبدأت بإشراكهم بنشاط في المعركة ضد التنظيمات الجهادية والتتشكيلات الإسلامية في بنغازي لم يكن من الصعب القيام بذلك بعض هؤلاء كانوا استُهدفوا في سلسلة الاغتيالات التي هزت بنغازي من منتصف عام 2013 إلى أوائل عام 2014. واغتيال العقيد كمال بازازة، وهو رجل دين سلفي شعبي ورئيس قسم الشؤون الإسلامية في مديرية الأمن بنغازي ، في عام 2013 ، وفّر الحافز بالنسبة للكثيرين للتعبئة.

انضم بعض “المداخلة” الليبيين إلى وحدات الجيش الوطني الليبي المتحالفة مع حفتر على سبيل المثال، انضم أشرف ميار الحاسي، القائد الميداني السابق في لواء 17 فبراير ونائبه النفاتي التاجوري – إلى قوات (الصاعقة) الخاصة وانضم بعض المداخلة إلى وحدة سلفية على وجه الحصر، كتيبة التوحيد بقيادة عز الدين الترهوني. والتأمت وحدات سلفية مقاتلة مماثلة في المرج حول حفتر وفي البيضاء المجاورة.

لاعتبارات مختلفة حاربت المجموعات السلفية ، وخصوصا كتيبة التوحيد، بشكل فعال جنبا إلى جنب مع الجيش الوطني الليبي وخصوصا مع مجموعات غير نظامية مختلفة “حماية الأحياء السكنية والمناطق” أو شباب “قوات الدعم” في جميع أنحاء بنغازي.

في حي الماجوري في بنغازي، على سبيل المثال، أفاد مقاتلون شباب من قوة “حماية الماجوري” في سبتمبر الماضي عن علاقة تكافلية مع السلفيين، الذين كانوا حاضرين عند تأسيس قوة حيهم. وخلال قتال داعش ومجلس شورى ثوار بنغازي، يصدح مقاتلو الماجوري بخطب مسجلة لرجل الدين السلفي المتوفى كمال بازازة على الخطوط الأمامية. وكما في حالة قوة الردع التابعة لكارة، ذهب رجال الدين المتحالفون مع كتيبة التوحيد إلى السجون الليبية التي يسيطر عليها الجيش لإجراء إعادة تأهيل ديني للمقاتلين المسجونين من داعش والجهاديين الذين مقرهم بنغازي.

“منذ أربعة أيام، ذهبت إلى السجون” قال لي أحدهم في بنغازي في الخريف الماضي ، قبل أن يتابع “وتحدثت إلى هؤلاء الشباب وقلت لهم إن موقفكم خاطئ بشأن الطاغوت والكفار”.

ولكن، كما هو الحال في الغرب، تساور الشكوك عددا من الفاعلين الأمنيين والاجتماعيين والشخصيات في الشرق حول أهداف السلفيين على المدى الطويل. وقال لي أحد أعيان قبيلة العبيدات في طبرق في سبتمبر من العام الماضي،:” نحن معهم في الوقت الراهن في الحرب ضد الإخوان، لكنهم متطرفون ولديهم أسرار.”

وأعرب مسؤول في وزارة الداخلية التي مقرها بنغازي عن اعتقاده بأنه ليس من الحكمة السماح لهم بأن يتركزوا في كتيبة خاصة بهم.وأنه لا بد من تفكيكهم ، وتعطى لهم أرقام تعريف الجيش النظامي، ونشرهم عبر الخطوط الأمامية.

ابتداء من مطلع عام 2015 ، تحول مجال التحرك السلفي بفعل عدد من الديناميكيات المحلية والخارجية. الترهوني ، زعيم التوحيد ، قتل في معارك في منطقة سوق الحوت في بنغازي في فبراير 2015. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أصدر ربيع بن هادي المدخلي – فتوى تحريم المشاركة في صراع الفجر- الكرامة كجزء من تحول أوسع نطاقا في السياسة الإقليمية للمملكة العربية السعودية بعد وصول الملك سلمان إلى العرش، والتي تضمنت خفض درجة تهديد الإخوان وجهودا لمصالحة المعسكرين المتنافسين في ليبيا. كتيبة التوحيد تفككت وخضع أعضاؤها لمختلف وحدات الجيش الوطني الليبي، بما في ذلك الكتيبة 302 للقوات الخاصة والقوات البحرية الخاصة، وكتيبة المشاة الميكانيكية 210، وغيرها.

ولكن هذا كان في نهاية المطاف بمثابة إطلاق علامة تجارية جديدة أكثر منه تخفيفا أو تذويبا للنفوذ العسكري للسلفيين”. وهناك عدد من وحدات الجيش الوطني التي تبدو ظاهريا “عادية” لكنها في الواقع سلفية بشكل عميق وطائفية في المنظور، مع وجود وحدات فرعية تحمل اسم “كتيبة التوحيد” وخطب وتصريحات المدخلي بشكل واضح على منصاتها للتواصل الاجتماعي.

وعلاوة على ذلك، لم يختف السلفيون من ساحة المعركة. هذا الصيف، قاموا بحشد ضد سرايا الدفاع بنغازي، وهي مجموعة إسلامية مسلحة مناهضة لحفتر مدعومة من الصادق الغرياني تقدمت في بنغازي من الغرب. المدخلي غير موقفه مرة أخرى، وحض علنا أتباعه الليبيين لمواجهة الكتائب، التي وصفها بجماعة الإخوان المسلمين.

مجتمعة ، تؤكد هذه الديناميكيات تنامي قوة السلفيين، وتحديدا المداخلة ، فضلا عن التدخل المستمر لدول الخليج العربي في الشؤون الأمنية في ليبيا. الجهات الدولية الفاعلة محقة في ضرورة هزيمة داعش وتجاوز الانقسامات السياسية في ليبيا. لكن التصدع المتزايد في مجال الإسلاميين يستحق الاهتمام أيضا. إن صعود ما يسمى بالمداخلة، لا سيما في المؤسسات الشرطية والدينية، كان أحد نتائج الصراع المتفاقم في ليبيا، والتدخل الإقليمي ، والقتال ضد داعش في الآونة الأخيرة، .

الفاعلون الأمنيون في طرابلس ومصراتة وبنغازي، والبيضاء يعترفون جميعا بتسخير قوة الجماعات السلفية المقاتلة في حملاتهم ضد الخصوم السياسيين وداعش. لكنهم صرحاء أيضا في الاعتراف بأنهم يجهلون الآثار غير المعروفة لهذا الخيار المشترك على مستقبل ليبيا.


موقع Carnegie

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى