ما بين حديث الوهابية و أصنامها

أسلفت سابقاً أنّ المذاهب الخمسة هي نتاج لفهم العقول البشرية لنص القرآن الكريم، أو إعادة ترجمة كان مفروضاً لها أن تتماشى مع عصور من أنتجوها، فكما كان ابن عباس وقد عرف في وقته بترجمان القرآن لكونه يترجم النص المقدس ويعيد صياغته إلى واقع المعيشة آنذاك، هنا الآن نجد بيت القصيد في المعضلة الفقهية التي نعاني منها حيث تحجرت وتكلست وشلت أغلب الشعوب.

النص المقدس تحول بفعل الفهم القاصر لبعض “المشايخ و العلماء” إلى نص مقولب حسب الطلب، يحمل بضعة معاني انحصرت لخدمة مصلحة الكاهن والحاكم بشكل أساسي، بل تحديداً مجرد كلمات تكلست على شاكلة فكرة متحجرة لا تتمرن مع الزمن تُقام لها نسك سلوكية ومظهرية تختلف من بلاد نجد إلى مغرب المسلمين، والتي لا يمكن لأي كان مسها، بل فقط من وضعها أو سيده وولى أمره كما حصل في نجد من قيادة النساء، أي أنها قابلة للتغير فقط من قبل من وضعوها إذا ما وجدوا أن فيها عوجًا قد يعرّيهم مستقبلاً.

المنظومة الفقهية القائمة حالياً تماثل نهج الكاثوليكي في أوروبا أواسط  القرون الماضية، واستأثرت النص الإسلامي وفقهه وأحاطته بهُبل الفكرة والآت لمنتجه في منظومة محمية بهالة لاهوتية متحجرة، فتلك العقول إذا تجاوزتهم الفكرة لجئوا  مباشرة إلى التهمة، وتهمة من يسأل هؤلاء هي الكُفر البواح، لذلك نجد أن أولي العلم الذين تعسر عليهم فهم الفكرة والتفكير فيها ولو قليلاً يتجهون دائماً ومباشرة إلى تهمة التكفير.

ولأن المقدس بذاته أصبح الصنم فهو نفسه كذلك الحل للإطاحة برأس تلك الأفكار المتحجرة، ومن خلاله يمكننا الخروج من هذه المعضلة؛ ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار تهمة الكفر والضلال كما سيوصف بها هذا الجيل من الذي يخالف تعاليم نهجهم، والتي يوصف بها كل من انتقد علماء الحكّام وأحكامهم وانقص من الوهيتهم، وهذا خير مثال على خوفهم من الفكر واستخدام نعمة العقل.

نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى حركة تحديثية للأجيال القادمة، تشق طريقها نحو العلم والفقه لتجديده، حركة تصنع جيلاً جديداً يمضغ تلك اللحوم المسمومة ويكسر قيود اللعنة التي صفّد بها ذلك النص بأفكارهم الفاسدة، ويضع الإنسانية نصب عينيه ليقود من بعده أجيال تنير بعلمها الأرض، جيل يتجرأ على النص ويزيح عباءة الوهم عنه ويكسر عنه الأغلال التي صُفدت بها معانيه في أزمنة سقوط الدين تحت ظلم الأنظمة الأصولية، أزمنة طغت فيها نفايات هؤلاء على صوت العقل.

واليوم يجب على جيل جديد أن يُدرك أن القرآن نص يحث على الاجتهاد فيه، لا تبني القوالب الوهابية المتوارثة من قبل هؤلاء ومن على شاكلتهم.

ما نحتاجه هو جيل يدرك أن القرآن الذي وُصفَ فيه الإنسان بأنه خلق جهولًا هو بذاته النص الذي قدم له وأعطى الأمر للإنسان أن يتعلم ويجتهد فيه “اقرأ”.

لا بد من بناء جيل يدرك جيدًا أن القرآن ليس نصًا تكفيريًا وأنه صلى الله عليه وسلم لم يخاطب في أي كلمة دعوية خطابية من دعواته الخالدة لأي قوم عرباً كانوا أم عجماً بالقول “يا كفرة”، هو القائد والمُعلم لمناهج العلم والإنسانية ومتمم لمكارم الأخلاق والذي تعامل مع نص إله حكيم لا ريب فيه.

لا بد من هكذا جيل يستعيد طريق التقدم و يلملم ويقتفي ما لوقته وواقع حياته من علم ويترك ما ليس له، مدركاً انّ هذه الأصنام الفقهية يجب إنهاء سلطانها على عقول هذه الشعوب وأزاحتها من كامل المشهد، كل إنسان قابل لأن يخطئ، وهذا ليس معيباً، كلنا يؤخذ منّا ويرد علينا لا أحد فوق النقد أو محمي منه، إلا صاحب ذلك القبر عليه أفضل الصلاة والسلام.


الكاتب الليبي: أحمد عويدات

جنوب ليبيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى