تعريف موجز عن: الإباضية في ليبيا
من العقلية الإقصائية إلى العقلية التهميشية والآن العقلية المُغَيَبَة (الغير واعية بمحيطها)، منذ نعومة أظافري وأنا أستمع لألفاظ منها الخوارج، المذهب الخامسي، مذهب الجبالية، وعند بلوغي مقتبل، شد انتباهي فتوى للشيخ بن باز يحرم فيها الصلاة خلف الإباضية، وفي الحقيقة كان له الفضل في مراجعتي وإهتمامي بكل ما وقعت عليه يداي من كتب الإباضية التي كانت ولا تزال ممنوعة عندنا في ليبيا،ويجب أن أعترف أيضا أن الجدل العقدي، والنقاش الفقهي لا يستهويني البتة. لكنني وبدون شك دائم الاطلاع على وفي مستجداته، خصوصا المدارس والدراسات الفكرية المعاصرة.
وفي ذلكم لفت انتباهي جملة في محاضرة السيد عارف النايض وهي: وأئمة مدرستي (الأشاعرة) يخاصمون المعتزلة في كل عصر، وهم موجودون الآن، فنصر حامد أبو زيد شبيه بالاعتزال، وهناك فروع للاعتزال في اندونيسيا، لكني احترمهم رغم خلافي معهم، … نختلف معهم في مسألة خلق القرآن وإنكارهم للشفاعة وقولهم بعدم رؤية الباري عز وجل، ولكن الاحترام يبقى موجود واحترام المسلم واجب شرعا… والإعتزال في اندونيسيا … شخص بسعة إطلاع السيد النايض ليس له دراية بالفكر والعقيدة الإعتزالية عند إباضية جبل نفوسة، وخصوصا أن المسائل التي يتبناها الإباضيون هي عين ما عابه على المعتزلة فهم يقولون: بخلق القرآن وإنكارهم للشفاعة والرؤية… .
فقلت في نفسي إن مصيبتنا أننا نجهل كل ما هو ليبي ونسعى حثيثين حتى إندونيسيا لنتعرف على العقيدة المعتزلية وحسبي أن أغلب الليبيين لم يسمعوا قط عن عالم ومتكلم بحجم الجناوني أو فيلسوف بحجم الجيطالي. ولا يعرفون من هم الإباضية بل إن بعض إخواننا في الشرق الليبي لم يسمعوا قط عن ووجود الإباضية بين ظهرانيهم في ليبيا. وأظن أن الوقت جد مناسب للتعريف بالإباضية.
إن الحواجز النفسية والقمع البوليسي والإرهاب الفكري هي التي أحالت وتحول دون تعرف الليبيين على ذواتهم، فالإباضية اليوم محصورة في جبل نفوسة وزوارة فقط غير أن هذه الحالة لم تكن على ما هي عليه على الدوام، فجل ليبيا تقريبا كان أهلها يدينون بهذا المذهب.
فنسجل في برقة والصحراء الليبية تواجد التجمعات الإباضية بين صفوف لواته، التي تشكل خلال العصر الوسيط الأعلى، القبيلة الأمازيغية الأكثر امتداداً نحو الشرق. فمن لواتة برقة يوجد أئمة كبار منهم عمر بن يمّكتن اللواتي أحد القادة الإباضيين خلال هذه الفترة، وإلى لواته برقة ينتسب يوسف اللواتي وزير الإمام الرستمي أفلح بن عبد الوهاب، كذلك ابن يوسف اللواتي المسمى ميال، كان عاملاً على بلاد نفزاوة زمن الإمام أفلح.
وكانت لواتة برقة مشاركة في تجمع العشائر الأمازيغية للمنطقة، في ثورة الوليد بن هشام ضد الفاطمي الحاكِم، والتي اندلعت سنة (396هـ/1005-1006م)، وكادت أن تقضي على النفوذ الفاطمي ببرقة.
والحاصل أن زوال التجمعات الإباضية ببرقة وقع في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، ويرتبط ذلك بشكل وثيق بغزو العرب الهلاليين الذين استقروا بهذه البلاد. وأثناء مرور شيخ إباضية نفوسة يخلف التمجاري بهذه المنطقة خلال القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي، لم يجد بها سوى خيام العرب.
وسكان طرابلس والمناطق المجاورة كانوا كلهم على مذهب الإباضية ما بين القرنين (2-4 هـ) ويتشكل سكان طرابلس من الأمازيغ الذين اعتنقوا المذهب الإباضي منذ القرن الثاني الهجري. ومن ضمن القبائل الأمازيغية الإباضية بطرابلس نذكر بالخصوص: مزاتة، هوارة، زناتة وضريسة وزواغة ولماية ونفوسة.
اعتنقت مزاتة المذهب الإباضي منذ وقت مبكر وظلت بلاد سرت إقليماً تابعاً للدولة الرستمية بتيهرت على عهد الإمام الإباضي عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم (784-785هـ/823-824م). كما استمر مزاتيو طرابلس في تلقين المذهب الإباضي خلال نهاية القرن التاسع الميلادي.
أشار الدرجيني إلى تواجد تجمعات مزاتية بضواحي طرابلس خلال النصف الأول من القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، وكان منهم، دوناس بن الخير المزاتي الذي كان قائداً على إباضية طرابلس تحت حكم بني خزرون (1100-1145م).
وهناك قبيلة هوارة التي ينحصر مجالها وهي القبيلة الأمازيغية القوية خلال العصر الوسيط في الجزء الأوسط من طرابلس إلى الغرب من سرت. وتتفرع إلى عدة عشائر شبه مستقرة، وضمن الوحدات الرئيسية لهذه القبيلة، التي اضطلعت بدور مهم خلال العصر الوسيط، نذكر بالخصوص مسراته (مصراتة)، وورفلة (ورفلة ومسلاتة وترهونة وغريان.
وهناك طبعا إباضيوا فزان حيث يقتني أغلب الإباضيون اليوم فتاوى وأجوبة علماء فزان في الفقه والعقيدة الإباضية، ولا ننسى مدينة غدامس وما جاورها التي ينسب إليها العالم الإباضي وأحد حملة العلم إسماعيل بن درار الغدامسي.
عودة إلى الإباضية والمعتزلة، إنَّ الإباضية في عقيدتها تكاد تتطابق مع عقيدة المعتزلة[1]، ولقد ظلَّ الفكر المعتزلي، عند من يعرف قيمة الفكر في الإسلام، قمَّة في العقل والاحتجاج به، دون أن يُعدموا الحجَّة بالنقل[2]. إنَّ الذي يهمنا هنا هو أنَّ الإباضية مثل المعتزلة في مسألة صفات الله سبحانه وتعالى، وأنها هي عين ذاته ويؤوِّلون الصفات الخبرية بحيث لا تؤدِّي إلى التجسيم من مثل يد الله، وجه الله، والاستواء… وكالمعتزلة في أنَّ القرآن مخلوق، وأنَّ الله جلَّ وعلا لا يُرى دنيا ولا أخرى، وأنـَّه صادق في وعيده مثل صدقه في وعده، وهو ما يترتَّب عليه خلود أهل الكبائر في النار إن دخلوها ولا تنفعهم شفاعة الشَّافعين، وأنَّ محمد –صلى الله عليه و سلم- سوف لن يشفع فيهم لأنـَّهم ليسوا أهلا لتلك الشفاعة، وأخيراً كالمعتزلة لا تأخذ الإباضية بخبر الواحد في العقائد لأنَّه ظنيُّ الثبوت، والعقيدة لا تؤخذ إلاَّ من أدلة يقينية لا شبهة فيها[3].
من الناحية السياسية الإباضية لا يرون الأحقية لقريش[4] في الإمامة ويرون بوجوب الشورى ولا يؤمنون بالتوريث البتة مهما كان ظرفه غير أن بعضا منهم حاد عن ذلك فوجد من يقومه. ولا يرون بعصمة القرون الأولى فهم بشر كما إننا بشر نخطيء ونصيب ولا عصمة ولا قداسة لأحد.
ما أحوجنا اليوم إلى مفكرين ليبيين وإلى فكر إسلامي ليبي وأنا هنا وبالمناسبة أشد على يد الدكتور عبد الحكيم الفيتوري الذي قراءة وأقرأ له بنهم شديد فله بحوث ولفتات جد مهمة في الفكر الإسلامي وله قراءات مهمة في تصحيح التاريخ الذي سيطر عليه ذوي الفكر والأفق المحدودين.
أخوكم: سالم الساحلي (أبو ضياء)
———————————-
[1] ) حسين جابر بني خالد، أوجه التشابه بين المعتزلة والإباضية المعاصرة في العقيدة وموقف أهل السنة منهما. مقال بمجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، الجامعة الأردنية، عمان، مج 27، عدد 2، عام 2000م.
[2] ) مشوهات الإباضية، نظرة من الداخل والخارج … د. إبراهيم بحاز
[3] ) مشوهات الإباضية، نظرة من الداخل والخارج … د. إبراهيم بحاز
[4] ) من أهم ما يميز الإباضية هو أنهم لا يفرقون بين المسلمين على أسس عرقية ، ولا على أصول لغوية فإمامهم الأول أبو بلال كان أسود البشرة. وهم يرجعون عدم التفريق بين المسلمين للحديث النبوي الشريف ” أوصيكم بتقوى الله تعالى، والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًا”. فهم لا يفرقون بين المسلمين ولا يرون بأحقية قريش في الخلافة.
ونحن لا نطالب العباد … فوق شهادتهم اعتقاد
فمن أتى بالجملتين قلنا … أخواننا وبالحقوق قمنا
(الامام السالمي رحمة الله تعالى عليه)