نشأة التصوف في ليبيا

أهل البيت في ليبيا

إن القاريء في تاريخ هذا القطر تطالعه أسماء أعلام بنوا حياتهم على الزُهد في الدنيا، والانكباب على الآخرة، قال الإمام سحنون معبراً عن زهاد هذه البلاد: “رأيت رجالاً بطرابلس ما الفضيل بن عياض بأفضل منهم”17، وسحنون أحد تلاميذ ابن القاسم تلميذ الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه،وهومن ينسب إليه جمع المدونة، ونجد في جذوة المقتبس للحميدي عند ترجمة ابن زكرون الأطرابلسي: “وانتفع به أهل طرابلس وتعلموا منه الفقه والحديث والنسك وكان قد صحب جماعة من النساك وكان رجلاً صالحاً متعبداً ناسكاً له في الفقه والفرائض والحديث والرقائق تآليفه كثيرة توفى 370″18فتأمل قوله:”وتعلموا منه الفقه والحديث والنسك”.

وقد أشار التيجاني في رحلته إلى كثير من فضلاء طرابلس وصلحائها الذين عرفوا بالبركة،وإجابة الدعوة،والزهد في الدنيا، من أمثال: أبي عثمان الحساني، وسمدونة، والشعاب،وأبو نزار خطاب البرقي، وأبي محمد عبد الوهاب القيسي، وغيرهم19.

ويقول د.إحسان عباس: “…وأوضح منها في حال ليبيا اتخاذ المساجد رباطات للعبادة، وبخاصة على السواحل ولهذا نشأ في ليبيا تيار زهدي قد يلحق بالتصوف ونشأ الإيمان بكرامات الزهاد في دور مبكر من تاريخها”20.

أقول:

دخل التصوف الطرائقي في ليبيا في القرن السابع إذ لا نعلم طريقة غير الطريقة الشاذلية دخلت إلى ليبيا آنذاك، وأبوالحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية توفي عام 656هـ ويبقى هذا الأمر أصلاً ثابتاً حتى يأتي خلافه مدعوماً بالدليل.

وما يميز التصوف في ليبيا أن مبني على قواعد السلوك والتربية وفق ضوابط الكتاب والسنة وأعلامه من مشاهير المتصوفة في العالم الإسلامي، وأن التصوف الفلسفي لم يجد أرضاً خصبة في هذه البلاد، وإن تسرب إليه شيء في الآونة الأخيرة من أفكار التصوف الفلسفي، ولعل مرجع عدم شيوع التصوف الفلسفي بليبيا، يعود إلى أن التصوف الفلسفي تصوف تعليمي معقد في دلالاته، وإشاراته، والناس في هذا القطر بمعزل عن التأثير الحضاري، الذي وجد بالعراق وسوريا ومصر، والذي يتطلب حياة مدنية تستوجب اختلاطاً بالوافدين ومركزاً لإقامة الفلاسفة والمفكرين والحياة في ليبيا غلبت عليها البداوة،وصعوبة العيش لاتساع القطر، وقلة مياهه وتناثر سكانه واعتمادهم على الترحال مما جعله بمنأى عن إقامة العلماء ولهذا نجد اضمحلالاً معرفياً للكتابة عنه إذا قيس بمن جاوره من الأقطار وهذا لا يخفى على باحث منصف يبحث في تراجم العلماء وسيرهم.

يشير أحد الباحثين إلى أن أبا مدين الغوث (595هـ) استطاع أن يأخذ من معين التصوف عن الشيخ عبد القادر الجيلاني، وهو إمن أشهر المتصوفة في التاريخ الإسلامي،، وشيوع كراماته، كما أخذ أبومدين عن علي بن حرزهم، عن صالح بن حرزهم، عن الغزالي (505هـ)، وهوعلم سني صوفي مشهور21.

وقد أخذ عن أبي مدين الغوث اثنان من أكابر المتصوفة، هما ابن عربي الحاتمي نزيل دمشق، وعبد السلام بن مشيش دفين المغرب، وقد مثل ابن عربي قمة التصوف الفلسفي، ومرّ اختلاف العلماء حول منزلته، وللسيوطي فيه رأي مبتكر، وهو اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه، لأن له – على ما يرى – لغة خاصة تُوحي بغير مراد صاحبها، كما أن مؤلفاته دخلهما دس كبير22، ونسبة غير صحيحة لعل آخرها تبرئته من التفسير المنسوب إليه23.

أما ابن مشيش فقد مثّل التصوف السني في المغرب العربي، ولعل ما عملته التوجهات الدينية لدولتي المرابطين والموحدين في نبذ الفكر الجدلي الفلسفي والانتصار لأهل السنة في بلاد المغرب يُفسر نكبة بعض الصوفية الفلاسفة كابن قسي في عهد المرابطين، وابن رشد في عهد الموحدين، وهجرة ابن عربي إلى بلاد المشرق هجرة لا رجوع منها24.

وقد وجد التصوف السني في بلاد المغرب ومصر انطلاقة كبيرة على يد أبي الحسن الشاذلي تلميذ عبد السلام بن مشيش، وقد عُرِف باتباعه للشرع، ومجاهدته للعدو في المنصورة ببلاد مصر، وأراد الله أن يكثر أتباعه في المشرق والمغرب، ومما تستريح إليه أن زعامة التصوف السني للطريقة الشاذلية نجدها تتنقل بين أربعة، عبد السلام بن مشيش مغربي، ثم إلى أبي الحسن الشاذلي وهو تونسي، ثم إلى أبي العباس المرسى وهو مصري، ثم إلى ياقوت العرشي وهو حبشي، ولعل هذا الانتقال المتلون بجنسيات مختلفة في زعامة هذه الطريقة الصوفية يبين أن منهجها في القيادة بعيد عن التوريث الأسري الذي نجده في أيامنا هذه.

وشُرح حزب البحر للشاذلي بشروح يصعب عدّها، وقد أدّى التفاف الناس حوله إلى خوف سلطان تونس منه، ثم رحل إلى مصر فخشيه سلطانها كذلك، وأراد طرده لولا أن الله تولاه برعايته، وقذف في قلب السلطان حُبه 25، وباستقراره في مصر ازدادت طريقته شيوعاً وانتشاراً، ولاقى كلامه استحسان العلماء والفقهاء، ولا نستبعد -وقد ذكر- أنها أول الطرق الصوفية دخولاً إلى ليبيا، وذلك راجع إلى قرب ليبيا من موطن انتشار هذه الطريقة وهي بلاد تونس ومصر، كما أن الطرق الصوفية القديمة الموجودة إلى الآن بليبيا كالعروسية والزروقية والعيساوية ترجع إلى الشاذلية، وقد يوجد من تأدب بالقادرية أو الرفاعية ولكن تبقى حالات خاصة غير شائعة بين الناس آنذاك.

الطرق الصوفية في ليبيا

أولاً الطريقة الزروقية:
ومؤسِّسها الشيخ العالم العامل أحمد زروق البرنسي أحد فقهاء والمالكية في القرن التاسع (899) دفين مصراته وتقوم على كثرة الاستغفار والصلاة على الرسول الأعظم، وشهادة التوحيد، والمداومة على قراءة ما يعرف بالوظيفة الزروقية، المسماة “سفينة النجا لمن إلى الله التجا”، وهي مجموعة آيات وأحاديث نبوية مشتملة على ذكر الله تعالى تقرأ بعد الفجر، وما زال في مساجدنا من يقرأها إلى يومنا هذا، ولا يوجد اليوم في ليبيا فيما أعلم زوايا زروقية منتشرة، ولكن يوجد أناس ينتمون إليها بقراءة أورادها.

وقد أشار د.علي فهمي خشيم أن الزروقية لم تلق شيوعاً لأن الطريقة السلامية المنسوبة لعبد السلام الأسمر حجبت شهرتها؛ لأن الأسمر – في زعمه – استمال قلوب العامة بالشعبذة، وهذا كلام لا يليق أن يصدر من أمثال د. خشيم لأن عبد السلام الأسمر جعل من طريقته قراءة وظيفة زروق، وقال: هي من جملة أورادنا، وأعتقد أن قصر حياة زروق وهو معاصر للشيخ عبد السلام الأسمر،وصرف عنايته للمباحث الفقهية تأليفاً وتدريساً، وقصر إقامته بليبيا، وعدم وجود أتباع له يحيون طريقته في بناء زوايا خاصة، وشهرة الشيخ الأسمر في زمنه هي التي جعلت الطريقة الزروقية تنحسر شيئاً فشيئاً لتكون أورادها في طرق أخرى، أوتتفرع عنها طرق أخرى بأسماء متنوعة كالراشدية والمدنية والدرقاوية.

مضى الآن على إنشاء زاوية زروق أكثر من خمسة قرون وتتكون من مسجد جامع، وضريح زروق ومكتبة تراثية كبيرة، وقد لعبت هذه الزاوية دوراً كبيراً في نشر الوعي الديني، والحث على الجهاد، وتحفيظ القرآن ودرّس بها جملة من العلماء المشاهير من أمثال شمس الدين اللقاني، وكريم الدين البرموني والشيخ ارحومة الصاري.

ثانيا الطريقة العروسية:
نسبة للشيخ العارف أبي العباسي أحمد بن عروس بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر يرجع نسبه إلى قبيلة هوارة وقيل إلى بني تميم، ولد وتوفى بتونس عام 869 هـ، ودخولها إلى ليبيا قديم ولا يستغرب ذلك فإن للقرب الجغرافي دوره في ذلك، وهي اليوم منتشرة في المغرب ومصر، واليمن وقد لاقت الطريقة العروسية انتشاراً واسعاً على يد أكبر أتباعها الشيخ عبد السلام الأسمر الإدريسي الحسني أحد كبار متصوفة القرن العاشر (981)، ويذكر المكي أحد تلاميذه في تقييد له أن أتباعه كانوا بالآلاف من بلاد المغرب ومصر والحجاز26، وقد طغت شهرة الأسمر على باقي أتباعها، وأضاف إليها بعض الأذكار وربما سميت بالسلامية نسبة إليه.

تقوم الطريقة العروسية على مجموعة من الأوراد السنية التي يتلوها المريد كل يوم كالاستغفار والصلاة على الرسول وقراءة أجزاء من القرآن وقيام الليل، وهي أوراد متعددة تناسب فراغ المريد، وشغله، ثم إنه دخل للطريقة العروسية كثير من الأتباع الذين أضافوا إليها ما يتبرأ منه فحولها الأوائل، وصارت في ليبيا وتونس من الطرق الشعبية التي ينخرط في صفوفها عامة الشعب، وهي تعاني اليوم من قلة المرشدين الحقيقيين، بعد أن صارت قيادة الطرق الصوفية وراثية، وتعد الطريقة العروسية أكثر الطرق انتشاراً في ليبيا وإن كان المد الصوفي يلقى انحساراً ظاهراً في الآونة الأخيرة بسبب ما خالطه من معتقدات تتعارض مع النصوص الشرعية، وأعتقدُ أن ارتباط الطريقة العروسية بقبيلة الفواتير – وهي قبيلة كثيرة العدد مرتبطة بالدين- سبب في بقائها قوية أمام مدّ الطرق الصوفية الأخرى في ليبيا خاصة في غرب ليبيا.

ثالثاً الطريقة العيساوية:
وترجع إلى محمد بن عيسى الفهري السفياني، يرجع نسبه إلى الدوحة النبوية المطهرة، وترجع بأصولها إلى الطريقة الجزولية فهو أخذها عن الشيخ سيدي أحمد الحارثي عن الإمام سيدي محمد بن سليمان الجزولي،توفى سيدي محمد بن عيسى عام 933هـ، تلقى رواجاً في البلاد الليبية بل إنها تكاد تنافس الطريقة العروسية،ويشتهر أتباعها بإتقان الأناشيد الدينية، والقيام ببعض خوارق العادات كضرب السيوف ومداعبة الثعابين،مما جعلها تلاقي الاستغراب والاتهام بتعاطي ما لا يحل شرعاً، وأكثر منتقدي التصوف، على الرغم من صحة أصولها، ووضوح منهجها القائم على الكتاب والسنة، والعيب في الأتباع كما هو مقرر عند الدارسين وتكثر زواياها بصفة مستمرة غرب البلاد، وشرقها وأتوقع أن تحتل الصدارة بعد فترة من الزمن وتلتقي مع الطريقة العروسية في قراءة دلائل الخيرات، وهوكتاب جامع للصلوات على الرسول الأعظم.

رابعاً الطريقة السنوسية:
نسبة للشيخ الامام السيد محمد بن على السنوسي المستغانمي نسبة لمدينة مستغائم بالجزائر أحد كبار علماء الإسلام في عصره، وإليها يعود الفضل في بث الوعي الديني في شرق ليبيا، ونشر الإسلام في أفريقيا، وقد قام أتباعها بمقارعة النصارى، ومحاربة الاستعمار، ومن أشهر قادتها السيد أحمد الشريف، وملك ليبيا السيد ادريس السنوسي ويقول المؤرخون لمدينة طرابلس “وأشهر الطرق في الولاية هي الطريقة السنوسية،وأكثر مناطق نفوذها في البلدان الداخلية وفي مناطق سرت وبنغازي كما أن الطرق الأخرى موجودة”27.

أقول: أعتقد إن شهرتها خصوصاً بولاية طرابلس لا يصل إلى مبلغ شهرة العروسية والعيساوية.

نادى ابن السنوسي بآراء في كتابه المسائل العشر جعلته يُلاقى عداء ظاهراً من الشيخ عليش الإمام المالكي المشهور، وهذه الآراء تنم عن عمق دراسته الفقهية، وتحرره من التقليد يرجع محمد بن علي السنوسي بصلة قوية إلى جميع الطرق الصوفية،وقد أفرد هذه الصلة بكتابين هما المنهل الروى الرائق، والسلسبيل المعين، إلا أن صلته بالإمام أحمد بن إدريس أقوى تلك الصلات انتهت الطريقة السنوسية رسمياً في ليبيا بقيام الثورة عام 1969م، ولا يزال بعض أتباعها في أماكن مختلفة من العالم من أشهر زواياها في ليبيا زاويتا البيضاء والجغبوب.

 ورغم الاغلاق والقمع الرسمي الذي مارسه نظام القدافي إلا أن الطريقة السنوسية لم تنتهي في ليبيا واستمرت نعم تراجع امتدادها وتأثيرها ولكنها حافظت على وجودها والخلط بين الحركة السنوسية السياسية والطريقة السنوسية الدينية يقع فيه كثير من الباحثين .

خامساً الطريقة القادرية:
نسبة للشيخ عبد القادر الجيلاني بالجيم، أوالكيلاني بالكاف، أحد متصوفة القرن الخامس،وهو من أشهر متصوفة الإسلام،وقد اشتهرت سيرته وكراماته اشتهاراً واسعاً،ونال ثناء العلماء والمؤرخين،ولا تجد فقيهاً أو مؤرخاً إلا ويعظم شأنه،ويرفع ذكره،له كتاب الغنية جمع فيه كثيراً من الفقهيات على مذهب الإمام أحمد بن حنبل كما حوى آداب السلوك،وخلق المتصوفة،وقد انتشرت القادرية في جميع أنحاء العالم، ولعبت دوراً معلوماً في نشر الإسلام، ومحاربة الاستعمار في آسيا وأفريقيا.

لا يوجد في شرق ليبيا أتباع للطريقة القادرية إلا في الآونة الأخيرة، قد لا تصل إلى مائة عام بخلاف مدينة طرابلس فهي أقدم زمناً في احتضان أتباع هذه الطريقة، ولمنتسبيها فضل يذكر في نشر الوعي الديني بطرابلس ونشاط ملحوظ في التأليف .

سادساً الطريقة الرفاعية:
نسبة للشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه أحد متصوفة القرن الخامس وهو معاصر للشيخ الجيلاني رضي الله عنه وقدر عرف بين المؤرخين بشدة اتباعه للسنة والتواضع لسائر المخلوقات واشتهر ذكره في الآفاق وانتشرت طريقته في العالم الإسلامي كافة، وتعد ليبيا من الدول التي دخلتها هذه الطريقة إلا أن دخولها إليها على حدٍّ واسع لا يصل إلى مائتي عام فيما أعلم، ومن أوائل المؤسسين لزواياها الشيخ أحمد الطبجي دفين الزاوية الرفاعية ببنغازي وهي موجودة إلى اليوم، وانتشار الرفاعية في ليبيا يسير -حسب علمي – ببطء شديد، وانتشار الطرق وانحسارها مقيد بجد أتباعها ونشاطهم، وعلى حسن ما يقدمونه، وصفاء ما يعتقدونه.

سابعاً الطريقة المدنية:
نسبة للشيخ محمد حسن ظافر المدني (1864م) ولد بالمدينة المنورة،ثم جاء إلى المغرب وقابل الشيخ العربي الدرقاوي وصار أحد أتباعه ثم عاد إلى المدينة خليفةً عنه، ثم استوطن مصراتة ودفن بها،وترجع طريقته إلى الطريقة الشاذلية وقد انتشرت بعده انشاراً واسعاً على يد الشيخ محمد ظافر بن الشيخ محمد بن حسن بن حمزة بن ظافر المدني الذي التقي بعلامة أفريقيا الشيخ إبراهيم الرياحي في تونس، وقد ارتحل إلى بلاد عديدة وملأت شهرته الآفاق.

حتى سمِع به الأمير عبد الحميد الذي أصبح بعد ذلك السلطان عبد الحميد الثاني فطلب إحضاره والتعرف به، فالتقاه وأخذ عنه الطريقة الشاذلية، وقد أصبح أحد مستشاريه وناصحيه، وأصدر السلطان عبد الحميد أوامره عام 1296هـ بإعفاء أوقاف زوايا الطريقة المدنية من الضرائب والرسوم، وقد بقي باسطنبول إلى أن وافته المنية عام 1903م ومن مؤلفاته:

1- النور الساطع والبرهان القاطع، أوضح فيه منهاج الطريقة المدنية وقد طُبع سنة 1885م. 
2- أقرب الوسائل لإدراك معاني منتخبات الرسائل، شرح فيه رسائل الدرقاوي في التصوف.
3- رحلة كبيرة في مجلدين، عُرفت بالرحلة الظافرية، وقد اعتمد أحمد بك الأنصاري على هذه الرحلة في كتابيه المنهل العذب، ونفحات النسرين28.

وتوجد في ربوع ليبيا زوايا هذه الطريقة، إلا أنها لا تتعدد في المدينة الواحدة، أي لا يجوز أن تكون في المدينة الواحدة أكثر من زاوية لها.

ثامناً الطريقة العلاوية:
نسبة إلى الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المتوفى سنة 1934م ولد بمستغانم بالجزائر، وهو من كبار صوفية القرن العشرين له العديد من الكتب مثل الرسالة العلاوية، والبحر المسجور في تفسير القرآن مجلدان، ومنهل العرفان، والأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية، والمنح القدوسية، وغيرها، وقد أسس جريدة لسان الدين سنة 1923م، والبلاغ الجزائري سنة 1926م.

تتفرع الطريقة العلاوية عن الطريقة الدرقاوية الشاذلية ومن أورادها مع الاستغفار والصلاة على النبي وكلمة التوحيد قراءة سورة الواقعة بعد المغرب كل يوم مع أحزاب الشاذلي.

دخلت الطريقة العلاوية إلى ليبيا عن طريق الشيخ محمد الفيتوري حمودة عام 1935م، وكان بدء نشرها بمصراتة ثم انتشرت في بنغازي مع عام 1940م، ومن أقدم مشايخها اليوم بليبيا عبد القادر بن صالح بن السنوسي الفزاني.

تاسعاً الطريقة الخليلية:
نسبةً للشيخ إبراهيم أبو خليل في الشرقية بمصر، وكان رجلاً أمياً، ويحكون عنه من الكرامات الشيء الكثير، يقول القرضاوي: “وقد استفدت من هذه الطريقة شيئاً مهماً مما كان له تأثير في حياتي، وهوالتعرف المبكر على حجة الإسلام الغزالي وذلك عن طريق كتابه الإحياء، الذي كان يقتنيه جارنا الشيخ بيومي العزوني بحكم التزامه بالطريقة التي تعتبر قراءة الإحياء أحد ركنيها، والركن الآخر هو الذكر والدعاء والاستغفار والصلاة على النبي”29 ويشترط الذكر ببعض الأسماء الحسنى ليلاً دخلت الخليلية إلى ليبيا منذ فترة قريبة لا تتجاوز الأربعين سنة وتتمركز في مدينة بنغازي ومدينة طرابلس.

عاشراً الدسوقية أو البرهانية:
نسبة إلى الولي الصالح إبراهيم بن عبد العزيز الدسوقي الحسيني المتوفى سنة 676 هـ بمصر أخذ عن أبي الحسن الشاذلي، واشتهرت كراماته في الآفاق دخلت الطريقة البرهانية إلى ليبيا منذ عهد قريب عن طريق أحد مشايخ السودان الكبار وهو الشيخ إبراهيم بن فخر الدين محمد عثمان عبده البرهاني وقد استطاع والد الأخير نشر طريقته في أكثر من سبعٍ وثلاثين دولة.

شهدت البرهانية بليبيا نشاطاً في فترة الثمانينات وكان بدء دخولها إلى مدينة بنغازي، ثم إلى المناطق الأخرى أهمها الأن مدينة صرمان ومدينة مصراتة، ولا تصل شهرتها بليبيا مبلغ شهرة الطرق الأخرى، ولعل مرجع ذلك قرب زمن دخولها إلى ليبيا.

الحادي عشر الطريقة التيجانية:
نسبة لأبي العباس أحمد بن محمد المختار التيجاني المتوفى عام 1815هـ وكانت مدينة فاس المركز الأول لهذه الطريقة ومن أشهر أتباعها عمر بن سعيد الفوتي السنغالي المتوفى 1283 وعرف بنشره للإسلام في أفريقيا ومحاربة الفرنسيين ويقدر عدد أتباعها في نيجريا كما يقول علي بن محمد الدخيل بعشرة ملايين عام 1981.

دخلت هذه الطريقة إلى ليبيا منذ زمن قريب، وأصبحت لها زوايا في بنغازي وطرابلس ودرنة.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك طرقاً أخرى دخلت ليبيا منها ما أصبح نشاطها يزداد، مثل: الطريقة الجعفرية إلا أن انتشارها ما زال محدوداً، وهناك أشخاص ينتسبون إلى طرق لم تدخل إلى ليبيا بصفة رسمية مثل النقشبندية، والخلوتية وقد يوجد غيرهما مما لم أطلع عليه.

*نقد التصوف في ليبيا :

يقول أحد الباحثين: “إن عدد الطرق الصوفية الحقيقي في ليبيا الآن هو13 طريقة صوفية يتوزع 73% من منتسبيها على الثلاثة الأكثر انتشاراً منها، و10% على الأربعة طرق التي تليها في الكثرة والانتشار، و17% على الطرق الست المتبقية، أما عدد الزوايا الآن فهو 659 زاوية منتشرة في عموم ربوع ليبيا وهورقم إداري فقط إذ إنها قرابة نصفها خال في الحقيقة من المريدين تماماً رغم وجود ملفات لها بها أسماء وبيانات أو شبه خال إذ يتردد عليها أفراد معدودون، كما أنه عدد محدود جداً مقارنة بدول عربية مجاورة”30.

يؤخذ على هذا القول الإبهام في العرض فما تغني النسب عن مجهول، فما هي الثلاث الأكثر؟ وما الذي يليها كثرةً؟ ولكن يدل النص على أن الزوايا الصوفية في ليبيا كثيرة ورغم ذلك فإنه يؤخذ على التصوف في ليبيا ما يلي:-

1- أن أتباعه يشيع بينهم الجهل، وعدم معرفة قواعد الشرع إلا عند فئة قليلة لا تكاد تذكر،ومرجعه إلى عدم وجود الشيخ المربي.
2- تقوقع منتسبيه، وعدم المشاركة في الحياة المدنية، والاقتصار على المدائح والأذكار.
3- خلط كثير من أتباعه بين التصوف السني والاستشراقي كالقول بالحلول والاتحاد…. الخ.
4- عدم وجود منهج محدد يسير عليه أتباعه كالإحياء للغزالي، والرسالة للقشيري، والبحث عن الكرامات وخوارق العادات،والإيغال في الرموز، ومسالك المجاذيب.

وفي ختام هذا البحث يعتقد الباحث أن التصوف في ليبيا سيشهد انحساراً ملحوظاً ما لم يقدم أصحابه منهجاً شرعياً مقبولاً يرضي من لم ينتسب، ولعل الصحوة الإسلامية التي يشهدها العالم الإسلامي ستدفع كثيراً من مشايخ الصوفية إلى تحسين وضعهم المعرفي،والتقيد بأحكام الشرع، والرقي بأدائهم التربوي.


الهوامش:
1- قواعد التصوف لأحمد الزروق دون ذكر الطبعة والتاريخ ص1.
2- الرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري منشورات دار الكتب العلمية سنة 2001 ص312.
3- المصدر السابق ص28.
4- المصدر السابق ص312.
5- المصدر السابق ص312.
6- المصدر السابق ص314-315.
7- تاج العروس للزبيدي منشورات دار ليبيا للنشر والتوزيع (صوف).
8- المصدر السابق والمادة نفسها وانظر مقدمة ابن خلدون دار الشعب ص439.
9- انظر أخبار الأمم والملوك للطبري وانظر التصوف في الميزان لمصطفى غلوش دار نهضة مصر د-ت ص131-132.
10- انظر اللُمع لأبي نصر السرّاج ص409-435.
11- انظر وفيات الأعيان لابن خلكان تحقيق إحسان عباس دار الثقافة د-ت 2/144-145.
12- تنقيح روضة الأزهار لمحمد بن مخلوف مكتبة الطلبة والطالبات طرابلس ص191.
13- المصدر السابق ص192.
14- طبقات الصغرى لعبد الوهاب الشعراني تحقيق السعيد هارون مكتبة الآداب ط1 2003 ص32.
15- سلطان الأولياء الجيلاني لأحمد شهاب الدين الزوي منشورات زاوية سيدي نصر طرابلس د-ت ص129.

16- انظر أعمال ملتقى التصوف الإسلامي العالمي بليبيا منشورات جمعية الدعوة ط1 1997 ص422.
17- انظر رحلة التيجاني (أبومحمد عبد الله بن محمد) المطبعة الرسمية تونس د-ت ص251 والتذكار لابن غلبون ص222.
18- ص339.
19- ص273-274.
20- تاريخ ليبيا منذ الفتح العربي حتى مطلع القرن التاسع الهجري دار ليبيا للنشر والتوزيع ط1 1967 ص243.
21- التصوف الإسلامي بالمغرب لعلال الفاسي مجلة الثقافة العربية العدد 1 ص39.
22- انظر كتاب تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي للسيوطي.
23- انظر كتاب دفع التهم عن ابن عربي لعبد الرحمن حسن مكتبة عالم الفكر ط1 1981 ص117 والتفسير والمفسرون لمحمد الحسين الذهبي دار الكتب الحديثة 1961 2/66.
24- انظر إشكالية إصلاح الفكر الصوفي في القرنين الثامن والتاسع عشر لعبد المجيد الصغير منشورات دار الآفاق ط1 1988 ص28-29-30.
25- المدرسة الشاذلية وإمامها أبوالحسن الشاذلي دار النصر للطباعة د-ت ص38-39-40.
26- مصورة مخطوط عبد الرحمن المكي في ترجمة شيخه الأسمر لدى صاحب المقال.
27- طرابلس الغرب لمحمد ناجي ومحمد نوري ترجمة أكمل الدين محمد مكتبة الفكر ط1 1973 ص131.

28- النفحة العلية في أوراد الشاذلية عبد القادر زكي مكتبة النجاح ط2 د-ت ص235-242.
29- انظر ابن القرية والكتاب ملامح سيرة ومسيرة دار الشروق ط1 سنة 2005.
30- الأسوة الحسنة السنة الثامنة العدد 42 ص3.


مركز المؤرخ للدراسات التاريخية والآثرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى