المنهج الحياتي الكامل

أهل البيت في ليبيا

مَا الذي يجعل إنسانا كاملا يرضى بسلب حقوقه الطبيعية؟ كأن يقبل بمستبد يختار له مسار حياته وطريقة معيشته وربما يصل به الأمر إلى أن يختار له أصناف أكله وشربه كما حدث في فترة من فترات نظام معمر القذافي ويتدخل في سائر شؤونه الخاصة ثم لا نجد هذا الإنسان يحرك ساكنا من أجل استردادها أو الموت دونها على اعتبار أن ذلك تدخلا في نطاق حريته التي وهبها الله له، وانطلاقا من كونه إنسانا وأن من سلبه هذا الحق في اختياراته هو إنسان مثله ساوى الله بينهما في كل شيء، وما العلاقة بينه وبينه إلا علاقة حاكم بمحكوم يدير الشأن العام للناس ويسيره لا أن يتعدى ذلك إلى خصائص البيوت والأفراد فيضمها إلى وظائفه التي أنيطت به واختاره الناس من أجل تأديتها.

إن اتخاذ الإنسان أيا كان منهجا كاملا شاملا ينظم شؤون دنياه بمناحيها المختلفة ويحدد كل كبيرة وصغيرة فيها أمر في غاية الأهمية له كي لا يستغلق عليه شيء في شتى جوانب هذه الحياة وكي لا يستغفله أحد فيوهمه بأن هذا الأمر ليس من حقه وأن ذلك الأمر من واجبه فيذعن ويرضى ويسلم،وحتى يقوده ذلك إلى معرفة ما يحق للمرء وما الذي يجب عليه في مجالات حياته المختلفة من أجل أن يكون لوجوده معنى وهدفا ولحياته رسالة،يعرف من خلاله حدود حقوقه كما يعرف حدود حقوق الآخرين وعلى رأسهم حدود هذا الحاكم وصلاحياته.

وحيث إن الإسلام العظيم هو منهج حياة ينظم كافة شؤونها ونواحيها المختلفة مثلما ينظم شؤون العالم الآخر،فإن غياب وإبهام أي جزء متعلق بشأن ما في هذه الحياة يؤدي إلى خلل فيها ويودي به إلى التهلكة ويدخله في حالة من التخبط والتيه اللذين لا يعرف معهما خلاصا ولا منهما نجاة.

والناظر إلى مشكلتنا اليوم المتعلقة بالاستبداد والطغيان وتجبر الرؤساء والقادة والرضا بهذا الوضع بل والدعوة إليه في بعض الأحايين سوف يكتشف أن جزءا من هذا المنهج الذي ارتضيناه لأنفسنا غائبا أو مغيبا وأن انحرافا ومشاكل أصابت هذا الجانب من جوانب الحياة المختلفة، وأن فيها من المظلومية والحرمان ما فيها.

تتمثل معالم هذا المنهج الغائب في كونه يأمرنا برفض الظلم والطغيان بل وإزاحته إذا توفرت القدرة على ذلك، وأن نختار من يحكم شرط أن يكون حكمه مقترنا برقابة الناس له ومحاسبته عند الانحراف والزيغ من خلال القنوات المعروفة الخاصة بالمحاسبة والرقابة، وأن تكون شرعية حكمه مقترنة برضا الناس عنه عبر اختياره له اختيارا شعبيا من خلال الوسائل التي تعورف عليها في كل عصر من العصور ابتداء من عصر الخلفاء الراشدين إلى عصرنا هذا، وألا يطغى فيتجه إلى سلب حق الناس في العقيدة والفكر والقول أو أن يعتدي ويتجبر في سبيل بقاء حكمه رغم أنوف الناس أو إلى توريث أبنائه من بعده إلى غير ذلك مما يتعلق بالشأن السياسي في هذا المنهج.

فلو اتخذ الإنسان له منهجا كهذا المنهج وتعامل مع شقه السياسي بكامل تفاصيله كتعامله مع شقه الروحي والتعبدي فتشبث بحقه في الحكم والمشاركة فيه والرقابة عليه كتشبثه بالصلاة والصيام وأداء فريضة الحج لوجدنا الناس يعرفون جيدا حقوقهم وواجباتهم وأنهم متساوون مع الحاكم في كل شيء ما عدا في وظيفته التي اختاروه من أجل تنفيذها، ولما رأينا أفواج الناس يذعنون لمستبد يطيعون أمره في كل شيء ويرضون بتسخير ملكه وبلده وشعبه في خدمة أعداء أمته مقابل أن يبقى ويستمر في إرهابهم وسلبهم حقوقهم التي وهبها الله لهم.


أبوبكر بلال

كاتب ليبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى