السعودية: بين قساوة الرمال و طراوة الدولار 

أهل البيت في ليبيا 

منذ أزيد من نصف قرن تمكنت المملكة العربية السعودية – بفضل إمكاناتها المالية النفطية الضخمة، وموقعها الجيو/ديني – تمكنت من تحقيق نفوذ ثقافي ودعوي وسياسي كاسح، تمدد عبر العالم كله، وشمل العالم الإسلامي بصفة خاصة وبذلك انتشر وساد هذا الذي أسميته الإسلام السعودي وأصبح معظم المتدينين والدعاة وأبناء الحركات الإسلامية متأثرين بهذا النمط الإسلامي بدرجة من الدرجات. 

فما هو الإسلام السعودي؟ البعض يسمونه “وهابية” وهو وهابي الأصل فعلا، لكن وهابية الإسلام السعودي معدَّلة ومكيفة والبعض يسمونه سلفية،وهو سلفية مشوهة ومطوَّعة والبعض يعتبرونه حنبليا ولكن حنبليته نجدية جامدة والبعض يصفون أصحابه بـالظاهرية الجدد، وهو كذلك، ولكن ظاهريتهم محرفة ومُسَعودة والبعض ينسبونهم إلى ابن تيمية، ولكن ابن تيمية – عند العارفين به – هو أكبر متضرر ومتظلم منهم.

وقد وُصف بأوصاف أخرى؛ كالتشدد والتطرف، و;فقه البداوة، وفقه التخلف والحقيقة أن الإسلام السعودي فيه من كل هذه الأوصاف قسمةٌ ونصيب، ولكنه في تركيبته نمط خاص في الفهم والتدين، تَشكل بين قساوة الرمال ونداوة الريال، وانضبط تحت ظل السيفين المتعانقين، وبتوجيه آل سعود وسطوتهم.

وما دام هذا الإسلام السعودي خليطا ومُركَّبا، ومتعدد المصادر ولأصول، فلنترك نسبته أو نَسبه جانبا، ولنذكر بعض الخصائص والمميزات التي عُرف بها وتميز بها، علما بأن بعضها يرجع إلى أيام الشيخين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، وبعضها تشكل خاصة في ظل الدولة السعودية الثالثة، وهي دولة الملك عبد العزيز وأولاده وأحفاده، القائمة حتى اليوم.

وأنا لا أتحدث الآن عما يمكن أن يقال من الإيجابيات أو الفوائد أو الحسنات…وإنما حديثي عن بعض المميزات السلبية، الظاهرة والغالبة، لهذا الإسلام السعودي.

1.الشدة والخشونة،وهي سمة بارزة:سواء في الأفكار،أو في الأحكام،أو في الألفاظ…حتى لقد أصبح السلفي أو الوهابي في أعين عامة الناس رمزا للشدة والغلظة والتزمت وحتى في المعاملات العادية بين السعوديين، يقال لمن تشدد وبالغ في أمر من الأمور: لا تحنبلها، أي لا تكن مثل السلفيين المتحنبلين في شدتهم ومبالغاتهم.

2.التعامل مع المسلمين والحكمُ عليهم من خلال ثقافة التكفير والتضليل والتبديع،شعوبا ومذاهب وطوائف وأفرادا…بل حتى كبار العلماء – القدماء والمعاصرون – لا يسلمون من تضليلهم وتبديعهم وحملاتهم، وقد يصل الأمر إلى حد تكفيرهم.

3.الاعتماد على العنف والسيف والمملكة تعدُّ في طليعة الدول المتفوقة في كثرة القتل والتعذيب والاعتقال والاختطاف،وكل ذلك يجد كامل شرعنته وتسويغه وتسويقه لدي أشياخ الإسلام السعودي وفتاويهم الجاهزة المجندة ومن الجدير بالتأمل أن الحروب الكثيرة التي خاضتها الدولة السعودية والحركة السعودية ،كانت، وما زالت، كلها موجهة ضد المسلمين!.

4.إشعال الفتن والصراعات بين المسلمين؛ فشيوخ الإسلام السعودي دأبهم وديدنهم شنُّ الغارات وإشعال الصراعات، ضد المذاهب الفقهية الإسلامية، والمذاهب الكلامية الإسلامية ، والمذاهب الصوفية الإسلامية، والحركات الدعوية الإسلامية، وضد أفراد العلماء والمفكرين المسلمين. ونظرا لإمكاناتهم المالية واللوجستية، فقد تمكنوا من إدخال الفتن والعداوات والصراعات – الفقهية والعقدية – إلى معظم مساجد المسلمين وبيوتهم وأسرهم.

5.خوارج على الأمة وعلمائها، مداخل مع الولاة والطغاة فحينما يوصف مشايخ الإسلام السعودي بالتشدد والتضييق، فذلك ليس على إطلاقه،بل هو خاص بعموم المسلمين، في عاداتهم وعباداتهم ومعاملاتهم،أما مع الولاة والحكام، فهم عادة في غاية التساهل ومنتهى الترخيص. فالحاكم عندهم مهما فعل ومهما قال، ومهما أساء وزاغ، سيوجدون له من التأويلات والأعذار والرخص أكثر مما يريد.

فعلى العموم: هم خوارج ومداخل في آن واحد: هم خوارج أشداء وخصوم ألداء، مع جماهير الأمة وعلمائها وفضلائها، وهم مداخل (أو: مداخلة) أذلاء، مع حكامهم وطغاتهم وولاة نعمتهم. الاندحار: مظاهره وأسبابه الإسلام السعودي الذي انتشر وازدهر خلال نصف القرن الماضي، دخل منذ بضع سنوات مرحلة التذبذب والذبول والانكماش، ثم انتقل في الآونة الأخيرة إلى مرحلة متقدمة ومتسارعة من الأفول والاندحار. أما المظاهر، ورغم أن الأمر معلوم وظاهر، فأذكر منها:

العزوف والنفور لدى الجمهور السعودي، ولدى الشباب منهم خاصة، من هذا النمط الفكري المنغلق المتشدد المتنطع من جهة، والمحابي للظلم والفساد من جهة أخرى. فالمثقفون والشباب اليوم أصبحوا يبحثون عن دينهم، ويلتمسون تدينهم، خارج النموذج الوهابي المسَعوَد. وهذه ظاهرة معروفة جدا لدى من يعيشون داخل المملكة السعودية.


الكاتب الليبي: محمد البشتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى