مؤامرات القنصلية الانجليزية ضد الباشا القره مانلي في ليبيا

أهل البيت في ليبيا 

هذه اللوحة التي يُعتقد أنها رسمت في ستينيات القرن التاسع عشر تصور المنزل الريفي الذي بناه بالمنشية العقيد هانمر وارنجتون القنصل العام البريطاني في طرابلس بين عامي 1814م و 1846م، الشهير بنفوذه الذي لم يكد يبلغه أحد قبله ولا بعده في طرابلس لا من قناصل بريطانيا ولا من قناصل الدول الأوروبية.

ولد هانمر سنة 1778م قد كان لسياسته وخططه الماكرة أثر كبير فيما آلت إليه البلاد الليبية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر من الحرب الأهلية ثم زوال الدولة القرمانلية وخسارة طرابلس لاستقلالها العملي وعودتها إلى الحكم العثماني المباشر بعد نحو قرن وربع من الاستقلال الذاتي عن الباب العالي.

في سنة 1820م،فرغ وارنجتون من بناء هذه الفيلا وأرسل تقريرا إلى لندن يبلغ فيه بأنه بنى لأسرته الكبيرة (كان له عشرة أبناء) بيتا ريفيا على البحر قرب المدينة،وبأنه يمكن أن يُتخذ قنصلية إن تفشى الطاعون وعسر البقاء في مقر القنصلية الذي يقع داخل أسوار المدينة،أي المبنى المعروف بشارع الأكواش المسمى اليوم بدار نويجي للثقافة.

َروى وارنجتون في تقريره هذا تفاصيل زيارة يوسف باشا وأبنائه يرافقهم خمسمائة فارس إلى المنزل الجديد،وقال إن الباشا سُر بطراز البناء الأوروبي وأعجب بالسلم الفسيح المريح الذي سهل عليه الصعود،كما علق بأنه لم ير شيئا شبيها لهذا من قبل.وليس هذا غريبا فنحن لا نعلم على وجه اليقين أن الباشا رأى بلدا آخر غير ليبيا وتونس التي لجأت إليها أسرته عقب استيلاء علي برغل على طرابلس (1793م – 1795م).


*وارنجتون ودعم التمرد ضد الباشا:
سيكون هذا المبنى الذي شيده القنصل البريطاني وارنجتون في قلب طرابلس أحد أخطر مراكز دعم المؤامرات و المتمردين  خاصة دعمه للتمرد الذ حصل سنة 1832م وطالب فيه المتمردين بتنازل يوسف باشا عن الحكم إلى حفيده امحِمّد،وقد جاء في الأخبار أن امحمد كان يتخذ سطح هذا المبنى موضعا لمراقبة المدينة بالمنظار.تسلسل الأحداث والدور الذي لعبه المبنى خلال الانتفاضة خصوصا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار التوتر المستمر الذي شاب العلاقات بين يوسف باشا والدول الأوروبية وحتى أمريكا بسبب الطرق البحرية في البحر المتوسط وقيام الاسطول الطرابلسي بأعمال حربية وعسكرية واستيلاءه على العديد من السفن الغربية جعله موضع غضب وكراهية شديدة لدى الأوروبيين،هذا التسلسل في الأحداث وما آلت إليه يوحي بوجود نية لعمل ما لإيقاف يوسف باشا واقصاءه من الحكم وبالتالي القضاء على الدولة القره مانلية التي كان يشكل الباشا يوسف ضمان وحدتها وسلامتها.

*وارنجتون وسرقة الأثار الليبية:

يقتضي السياق التاريخي أن يذكر بدايةُُ ما قام به القنصل الإنجليزي العقيد هانمر وارنجتون الذي أرسل الي مدينة قوريني #شحات بالجبل الأخضر شرق ليبيا رحلتين الأولى في عام 1826م بإشراف أحد اتباعه وابنه فردريك،والثانية في عام 1827م بإشراف ابنه الأصغر جورج من أجل جلب المنحوتات التي جمعها الأخوان بيشي في قوريني،بعد ان أخذ موافقة الباشا وأقنعه بأنها ستكون هدية مناسبة منه الى المملكة البريطانية.وقد أفلحت الرحلتين في تحقيق النتائج المرجوة،وتحصلوا من قوريني على مجموعة متنوعة من الأثار ليست التي جمعها الاخوان بيشي فحسب بل قام ابنه جورج بعمل حفريات في معبد ابوللو،نتج عنها العثورعلى مجموعة من التماثيل الرخامية وشاهد قبر واناء فخاري مزخرف،وقد وضعت تلك اللقى في خمس صناديق أرسلت الى اسكتلندا،وما زالت تعرض في المتحف الملكي باستكلندا وهذه اول أشياء تُسرق من قوريني وتصل إلى اوروبا.


*وارنجتون ورحيله عن طرابلس ووفاته:

وفى سنة 1846م رحل القنصل ” هانمر وارنجتون ” عن طرابلس بعد إحالته على التقاعد بسبب إرتكابه فضيحة ضرب قنصل أميركا ” جونس Gones ” ، على مرأى من الناس فى الشارع ومنهم سكرتيره وقنصل الدانمرك وأحد الإنكشاريين،فتوجه للحاق بزوج ابنته المتوفاة الذى كان قنصلا فى ” باتراس ” باليونان، ولم يلبث أن توفى يوم 17اغسطس سنة 1848م بعد أن أودى بحياته إدمان الخمر.


*وارنجتون وشخصيته حسب كتب المؤرخين:

يقول عنه شارل فيرو صاحب كتاب “الحوليات الليبية” أنه كان يتقن اللغة العربية إتقانا تاما وأنه أظهر بذخا وتبذيرا لم يكونا معروفين بها حتى ذلك الوقت الأمر الذى حمل الأهالي على إكباره،ولم يرتح وارينجتون لمبنى القنصلية الإنجليزية التقليدي الذى أشعره بالضيق والضجر من حيث أنه مقام وسط المدينة فبادر إلى شراء بستان واسع على شاطئ البحر ويطل على المرسى حيث بني فيه قصرا فخما غطى جدرانه بالمرمر والخزف المطلى المجلوب من إيطاليا بأغلى التكاليف وأصبحت القنصلية الإنجليزية فى أيامه تستعمل كل يوم عربات فخمة كانت تذرع الطريق بين ناحية المنشية ومدينة طرابلس ذهابا وإيابا. 

ويقول فيرو أيضا:أن العقيد وارنجتون قد تزوج الإبنة غير الشرعية للملك جورج الرابع (George IV) ونجد فى هذه المصاهرة تفسيرا لإمتلاك وارنجتون لتلك الملايين التى بذرها فى طرابلس،ويضيف فيرو: أن ذلك البستان بقصره قد تم بيعه بعد وفاة وارنجتون للحكومة التركية التى أقامت فيه منذئــذ تلك (البطاريات) التى تحرس مدخل المرسى حيث أصبح يسمـى ( بستان الباشا).

فى سنة 1846م رحل السيد وارنجتون عن طرابلس بعد إحالته على التقاعد بسبب إرتكابه فضيحة ضرب قنصل أميركا ” جونس Gones “،على مرأى من الناس فى الشارع ومنهم سكرتيره وقنصل الدنمرك وأحد الإنكشاريين،فتوجه للحاق بزوج ابنته الذى كان قنصلا فى باتراس باليونان، ولم يلبث أن توفى بعد أن أودى بحياته إدمان الخمر.

يصفه بيترو فرانشيسكو كروشيللو قنصل نابولى بقوله: رجل نزق طائش يبحث دوما عن الذرائع التى تمكنه من خنق البراءة والعدالة وحقوق الناس،إذ يجد فى ذلك مرتعا خصبا لتغذية غروره وتنميته ” .

وقد يكون سبب هذا الطعن ” أن وارنجتون قد تشاجر مع قنصل نابولى فى طرابلس،حيث أن الرجلان متماثلين فى الشطط والقدح العلنى مما أبان للناس مدى انحطاط أخلاقهما ” ، كما أن أدمان وارنجتون للخمر جعل كل إمرئ يكن لنفسه الإحترام مضطرا إلى قطيعته والنفور منه . (2) البارون. ج . ب . روسو ( 1876م ـ 1831م ).


*لقد نجح الانجليز في توريط حاكم طرابلس القوي يوسف باشا القره مانلي في الديون وفقد بذلك حرية القرار السياسي وارتهن للسفارات الأجنبية التي يتسابق قناصلها على اقراضه الذهب مقابل امتيازات بحرية واعفاءات جمركية وحصانة قانونية لرعاياهم,وهذه السياسة الخبيثة للمستعمر الانجليز وكافة الدول الاستكبارية لا تزال مستخدمة الى يومنا هذا عبر البنك الدولي ومؤسسات أخرى تغرق الدول في مستنقع الديون وقد تحدث عنها القاتل الاقتصادي في كتابه “اعترافات قاتل اقتصادي” هو كتاب ألفه الخبير الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز،ونُشر في عام 2004،وتُرجم لثلاثين لغة من ضمنها اللغة العربية تحت عنوان “الاغتيال الإقتصادى للأمم” وهو عبارة عن مذكراته الشخصية،الذي يصف فيه وظيفته كـ “قاتل اقتصادي” بحسب وصفه،والتي تُلخّص الأسلوب الجديد للولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على دول العالم الثالث.


*لقد كان وعي العرب والمسلمين للمخططات الأجنبية الاستعمارية ضعيفا ويتعاملون مع الرحالة “الجواسيس” الأجانب بحسن نية وبساطة الى حد السداجة مكنتهم من دراسة المجتمعات الاسلامية والتمهيد لغزوها واحتلالها وقلة من الأحداث الوطنية الدفاعية التي يحاول الاعلام الغربي قديما وحديثا على تصويرها كجرائم قطاع الطرق التي نالت حقها من الدراسة والبحث والتحقيق ولعل حادثة المستكشف البريطاني “الكسندر جوردون لينج”،الضابط المعين من قبل وزير المستعمرات الإنجيليـزى لاستكشاف ” تمبكتو ” فى جنوب الصحراء الكبرى احدى الأحداث الهامة فقد وصل إلى ” تمبكتو ” وبدأ في مهامه الجاسوسية ،وظن أنه قد نجح في مهمته ولكن الرجال ” التمبوكتيون ” لم تعجبهم تصرفاته الاستعمارية الاستكبارية ولا تصرفاته ولا تطلعاتـه الإستعمـارية نحـــو ” تمبكتو “، وما أن أزمع على الرحيل محملا بوثائقه وآرائه، وعلى بعد 30كم من ” تمبكتو ” حتى قتل فى ظروف مجهولة وغامضة وقام الأفارقة بدفن جتثه وحرق أوراقه ووثائقـه وخـرائطه.


*اللوحة الفنية على الرغم من أنها غير منشورة في الكتاب ولا في مجموعة المتحف البريطاني الخاصة به لكن يمكن تغليب الظن بأنها من رسم الضابط والرحالة المعروف إدوين بورتشر وذلك باعتبار التاريخ المذكور أعلاه والذي يتوافق مع رحلته، والاهم أسلوب الرسم المشابه جدا بل القريب من التطابق


*يوسف باشا القرمانلي (1795-1832):
يوسف باشا بن علي باشا بن محمد باشا القرمانلي مواليد مدينة طرابلس الليبية عام 1766م تولى باشوية طرابلس عام 1795م بعد عزل والده علي باشا القرمانلي ( 1754م-1832م )،وقتل اخاه الأكبر حسن بيك وطرد أخاه الأوسط احمد باي الى مالطا .
امتلكت ليبيا في عهده اسطولا بحريا قويا مكن من فرض الهيمنة العثمانية على مياه المتوسط وفرض الاتاوة على مرور السفن الاوروبية مقابل الساحل الليبي،والدخول في العديد من الحروب البحرية أبرزها حرب السنوات الأربعة (1801م-1805م)، التي اندلعت بين ليبيا وأمريكا بعد امتناع السفن الأمريكية عن دفع المتفق عليه من اتاوه مقابل مرورها قبالة الساحل الليبي، مما سبت في اندلاع حرب بحرية بين البحرية الامريكية والبحارة اللييبين تم خلالها اسر الفرقاطة الامريكية فيلادلفيا عام 1804م وأسر 300 بحار أمريكي كانو على متنها،وانتهت الحرب بتوقيع أتفاق صلح برعاية باي تونس عام 1805م،ولا يزال صاري السفينة فيلادلفيا موجود الى الان بمبنى السراي الحمراء بطرابلس شاهذا على هزيمة الأسطول الأمريكي.
كما امتلكت ليبيا في عهده جيشيا بريا قويا ضم الألاف من جنود الانكشارية والكوارغلية،مكن من فرض الهيمنة العثمانية على أغلب الأراضي الليبية والدخول في العديد من الحروب أبرزها:
1-حرب فزان ضد سلاطين أولاد امحمد عام 1811م والتي انتهت بفرض الهيمنة القرمانلية على مرزق.
2-تجريدة حبيب العبيدي ضد قبائل اولاد علي واخراجهم الى التوطن داخل الأراضي المصرية.
3-حرب الجوازي عام 1817م والتي شهدت أيضا مدبحة القلعة الشهيرة.
4-مواجهة ثورة عبدالجليل سيف النصر بسرت وفزان (1831-1842 )،إلا أن هذه الثورة من أبرز الأسباب في انهيار القرمانلي عام 1835م وكان تمرد ال سيف النصر دائما مدعوم من فرنسا.
تنازل عن باشوية طرابلس عام 1832م لابنه علي باشا القرماني الثاني ( 1832-1835 ) .
توفي في طرابلس عام 1838م وذفن كما يقال في مقبرة القرمانلين ( جبانة السلطانات ) في شارع الشط بطرابلس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى