أسد الحجاز يقابل أسد الصحراء (محمد أسد يقابل عمر المختار)

أهل البيت في ليبيا 

روى محمد أسد في كتابه «الطريق إلى مكة» أنه التقى بالمدينة المنورة السيد أحمد الشريف السنوسي وسأله:”هل تذهب يا محمد إلى برقة بالنيابة عنا،فتقف على ما يمكن صنعه للمجاهدين؟ لعلك تستطيع أن ترى الأمور بأجلى مما يراها بنو قومي ؟.

وبعد رحلة مضنية من الحجاز ثم مصر وانتهاء بليبيا وصل محمد أسد ومرافقه الخاص الذي اختاره دليلاً ومرافقا دائما له أصله من حائل اسمه «زيد بن غانم الشمّري» كان التقاه كما روى في دير الزور -بادية الشام- سوريا وصحبه في رحلة من الشام إلى العراق سنة 1924م،ثم رافقه طوال مدة تجواله في الجزيرة العربية في ما بعد 1924م-1933م،وتعرضا في رحلاتهما للخطر وواجها الكثير من المواقف الخطيرة وكانت أكثر المواقف خطورة تلك التي كانت بالأراضي الليبية.

قال: وبعد أربع ليال أخرى وصلنا إلى وادي الثعابين حيث كان علينا أن نجتمع بعمر المختار،وبعد أن اختبأنا في وادي صغير تكتنفه الأشجار الكثيفة وعقلنا خيولنا تحت بعض الصخور جلسنا ننتظر مجي أسد الجبل الأخضر وكان الليل قارسا شديد الظلمة يخيم عليه صمت عميق. 

وبعد انتظار بضع ساعات،سمعنا حفيف أغصان بين أشجار العرعار واصطدام نعل خفيف بحجر،وانتصف رفيقي واقفا وأمسك بندقيته بيديه وحدق بالظلام،وخرجت من الأجمة صيحة أشبه بعويل أبن أوى،فما كان من عبد الرحمن إلا أن كور يده أمام فمه و أجاب بصوت مماثل،وعندئذ ظهر أمامنا شخصان مسلحان بالبنادق وعندما اقتربا منا قال أحدهما في سبيل ألله وأجاب عبد الرحمن (لا حول ولا قوة إلا بالله) فعرفت أنها كلمات السر التي يستعملها المجاهدون.

وقفنا منصتين وبعد عشر دقائق سمعنا حفيف الأغصان مرة ثانية بين أدغال العرعار وبرز ثلاثة رجال،كل منهم من جهة وأخذوا يقتربون منا وبنادقهم مصوبة إلينا،وبعد أن اقتنعوا بأننا كنا فعلا من كانوا يتوقعون رؤيتهم،عادوا واختفوا ثانية في الأجمة وفي جهات مختلفة أيضا،لقد كان واضحا أنهم كانوا ينوون حراسة زعيمهم والإشراف على سلامته،وما لبث عمر أن جاء على جواد صغير لفت حوافره بالقماش،وكان يحيط به رجلان من كل جانب ويتبعه كذلك عددا أخر،وعندما وصل إلى الصخور التي كنا ننتظر عندها ساعده أحد رجاله على النزول ورأيت أنه كان يمشى بصعوبة عرفت بعد ذلك أنه قد جرح إبان إحدى المناوشات قبل ذلك بعشرة أيام تقريبا.

وعلى ضوء القمر المشرق استطعت الآن أن أراه بوضوح،كان رجلا معتدل القامة قوى البنية ذا لحية قصيرة بيضاء كالثلج تحيط بوجهه الكئيب ذي الخطوط العميقة،وكانت عيناه عميقتين،ومن الغضون المحيطة يهما كان باستطاعة المرء أن يعرف أنهما كانتا ضاحكتين براقتين في غير هذه الظروف،إلا أنهما لم يكن فيهما الآن شي غير الظلمة والألم والشجاعة،واقتربت منه لأحييه وشعرت بالقوة التي ضغطت بها يده على يدي.

مرحبا بك،يا ابني،قال ذلك وأخذ يجيل عينيه في متفحصا لقد كانت عينا رجل الخطر قوته اليومي،وفرش أحد رجاله حراما على الأرض،وانحنى عبد الرحمن ليقبل يده،ثم شرع بعد استئذانه يوقد نارا خفيفة تحت الصخرة التي كنا مجتمعين بها،وعلى ضوء النار الخافت قرأ سيدي عمر الكتاب الذي حملنيه السيد أحمد إليه ثم التفت إلى وقال:لقد أطراك السيد أحمد في كتابه،أنت على استعداد لمساعدتنا ولكنني لا أعلم من أين تأتينا النجدة،إلا من الله العلى الكريم،إننا حقا على وشك أن نبلغ نهاية أجلنا، فقلت:اذا أمكن تدبير الحصول على المؤن والذخائر من الكفرة بصورة ثابتة،أفلا يمكن صد الايطاليين؟ لم أرى في حياتي ابتسامة تدل على هذا القدر من المرارة واليأس كتلك الابتسامة التي رافقت جواب سيدي عمر عندما أجاب: لقد خسرنا الكفرة والايطاليون احتلوها منذ أسبوعين تقريبا أنك تستطيع أن ترى يا ابنى،أننا قد اقتربنا فعلا من نهاية أجلنا.

ثم أضاف كأنه يجيب على السؤال التي كانت تنطق به عيناي:”إننا نقاتل لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت ونحن ليس لنا خيار غير ذلك،إنا لله وإنا إليه راجعون،لقد أرسلنا نساءنا وأولادنا إلى مصر كي نطمئن على سلامتهم متى شاء لنا الله أن نموت.

وبعد ذلك قدمت زيداً إليه فاستقرت عينا سيدي عمر الحادتان على وجه زيد الرزين وقامته الهيفاء برضى ظاهر،ثم وضع يده على كتفه وقال: مرحباً بك،يا اخي من أرض أجدادي.من أي العرب أنت ؟”وعندما أخبره زيد أنه من قبيلة شمر،أومأ عمر برأسه مبتسما:” آه إذاً أنت من قبيلة حاتم الطائي أكرم الناس يداً…”


كتاب الطريق الى مكة

تأليف محمد أسد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى