أندرياس كريغ…أبو ظبي حولت الصوفية إلى أداة في سياستها الخارجية
وخلافا للحكمة التقليدية فإن السياسة الإماراتية ليست علمانية بالخالص، فخطاب التسامح والتعايش الديني ليس تعبيرا عن قوة ناعمة تهدف لمواجهة الإسلام السياسي وإضعاف الإسلاميين في المنطقة بل يعمل كقشرة فارغة لنشر شكل من الإسلام المهادن.
وتعرف الإمارات جيدا قوة الدين والأيديولوجيا في تعبئة وتثبيط المجتمعات المدنية في العالم العربي،ومن هنا فدعمها للصوفية هو أي شيء ولكنه ليس علمانيا، فهي تخدم كأساس أيديولوجي وديني لسياساتها الخارجية القوية في المنطقة.
ويضيف الكاتب أن أبو ظبي ومنذ بداية القرن الحالي كانت في حالة من الهجوم وتنشر ما أسمتها “الخصوصية الإماراتية” والتي تقوم على حريات اجتماعية واقتصادية نسبية ولكنها تتبنى في الوقت نفسه الفصل بين المسجد والدولة.
وحاول البعض الثناء على نموذج أبو ظبي على أنه يشبه الديمقراطية الجيفرسونية: دولة في الشرق الأوسط تنشر العلمانية في المنطقة هي بالضرورة هدية للمحافظين الجدد في الغرب والليبراليين اللا ليبراليين الذين ينظرون لدور الإسلام في دول الشرق الأوسط نظرة إشكالية.
ويرى الأكاديمي أن السرد الإماراتي صمم وبطريقة مقصودة لجذب المشاهد الغربي، خاصة الأمريكي في مرحلة ما بعد 9/11 وصعود الإسلاميين بمرحلة ما بعد الربيع العربي وصعود تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن حملة أبو ظبي ضد دور الإسلام في المجال السياسي له هدف شرير آخر: منع تسييس المجتمع المدني واحتكار السلطة السياسية والإجتماعية والقوة وتكريسها في يد الدولة.
ويعتقد الكاتب أن خوف أبو ظبي من الإسلاميين الذي يصل إلى حد البارانويا متجذر بالخوف من القوة الناعمة للإسلام السياسي وكون أفراده المعارضين التقليديين للأنظمة الشمولية بالمنطقة.
ويرى الكاتب أن القلق من الإسلام السياسي وسط النخبة الحاكمة في الإمارات نابع من اعتقاد أن سرديات الإسلام عندما يتم دمجها بالسياسة لا يمكن للدولة أو النظام السيطرة عليها بشكل يخلف دينامية سياسية- اجتماعية قادرة على تقويض الوضع القائم. ويعتبر الربيع العربي حالة في هذا الإتجاه.
وبالتالي، فمع انهيار الوضع الشمولي القائم عام 2011 سارعت الإمارات لتحشيد القوة المالية والعسكرية لتشكيل مستقبل المنطقة ومسارها السياسي- الإجتماعي.
فمن ليبيا إلى مصر واليمن والسودان كانت الإمارات في مقدمة الثورة المضادة وحاولت تنصيب ودعم الأنظمة التي تستطيع احتواء المجتمع المدني. ودعمت الحكم العسكري بشكل يحصنها من جاذبية الإسلام السياسي. ولكن ما كانت الإمارات بحاجة له هو سردية بديلة بـ”تبييض” عمليات القمع ومكافحة الإرهاب ونشر “التسامح” العلماني.
وأشار الكاتب إلى الصوفية، التي تعتبر هادئة وتبتعد عن السياسة ومرتبطة بقيم الإسلام والتي قدمت للإماراتيين ما يبحثون عنه من سرد بديل مقبول للذائقة الغربية.
وباعتبارها القائد في مكافحة الإرهاب استخدمت أبو ظبي الصوفية وبمهارة لتقديمها على أنها “الإسلام الحقيقي” والقادرة على علاج التطرف النابع من السلفية.
وفي الوقت نفسه تقديم رؤية وجودية ساذجة لمكافحة التطرف تقوم في الأساس على البعد اللاهوتي،مما يعني بالضرورة تجاهل الأدلة العملية للعوامل السياسية والإجتماعية التي تدفع التطرف.
ومن أجل هذا أقامت أبو ظبي مراكز دعوية في ليبيا ومصر والإمارات والتي أوكلت لها مهمة نشر النسخة من الإسلام التي تبدو في النظرة الأولى هادئة مع أن النظرة القريبة منها تكشف عن تسييسها واستخدامها كأداة ولا تختلف عن بقية أشكال الإسلام السياسي الأخرى.
وعندما عقد عام 2016 مؤتمر غروزني والذي مولته بشكل مشترك الإمارات ومصر ونسقه الرئيس الشيشاني رمصان قديروف- الصديق الشخصي لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد– دعا المشاركون فيه للعودة إلى الإسلام “الحقيقي” والذي يرفض النشاط السياسي كانت الرسالة سياسية.
وعندما دعا منبر الإمارات لنشر السلام في المجتمعات الإسلامية برئاسة الشيخ عبد الله بن بية إلى الفصل بين المسجد والدولة، كانت الرسالة سياسية أيضا تدعو إلى منع تسييس المجتمع المدني وتدعو لطاعة الحاكم المسلم باعتبارها قيمة إسلامية. وبنفس السياق عندما قام تلميذ بن بية الأمريكي الشيخ حمزة يوسف بتحريم الخروج على الحاكم المسلم،لم تكن الرسالة صوفية بل سياسية.
وعندما قام عارف النايض، الباحث في الصوفية من ليبيا بتولي منصب سفير بلاده في الإمارات ويدير الآن مركز أبحاث إسلامية في أبو ظبي اسمه “كلام” واعتبار الثوريين الإسلاميين في ليبيا إرهابيين فالرسالة كانت سياسية.
ويعتقد الكاتب أن الصوفية التي استخدمت كأداة إماراتية ونشرت عبر المراكز الدعوية والمؤتمرات والباحثين،لم تصبح كموازن هادئ ضد السلفية. بل أصبحت تقدم المبرر الأخلاقي لقمع المعارضة السياسية والمجتمع المدني.
ومنحت بالضرورة أساسا عقديا للموازنة الأخلاقية بين الإسلامية والإرهاب-وهما عنصران مهمان في استراتيجية التواصل التي تنتهجها أبو ظبي في المنطقة.
فعندما يقوم خليفة حفتر بقصف عشوائي وعنف ضد الحكومة المعترف بها في طرابلس،وعندما يقوم عبد الفتاح السيسي باستخدام العنف ضد معارضيه أو عندما يقوم المجلس الإنتقالي الجنوبي بفتح معسكرات وسجون تعذيب في جنوب اليمن تبادر المراكز وشبكات التضليل بتوفير المبرر الأيديولوجي لهذه المبررات.
وبعملها هذا قامت الإمارات بتسييس علمنة السياسة كوسيلة تجعل من أهداف سياستها الخارجية معقولة.
وأصبحت أداة لتقديم الشرعية للنظام في ليبيا ومصر وأبو ظبي.وظهرت كمكون رئيسي في خطاب “التسامح” الذي يدعو للتعايش بين الأديان وفي الوقت نفسه شرعنة التعصب ضد من يعارضون الوضع السياسي- الإجتماعي القائم. في النهاية فقد خلق الإستخدام الأداتي للدين الذي تمارسه أبو ظبي قطبية ثنائية كاذبة بين الصوفية والأشكال الأخرى من الإسلام السياسي. واحد يسيطر عليه النظام والآخر يسيطر عليه المعارضون له.